المرصاد نت - نور الدين إسكندر
لم تكن الأسابيع الماضية سهلة بالنسبة إلى اللاعبين المعنيين بالوضع القائم في إدلب السورية. احتدم الصراع بصورة دراماتيكية، من دون أن يكون ذلك مفاجئاً لأحد من المتابعين لمواقف تلك الدول، وغاياتها، وإدارتها لسياستها طوال الأزمة السورية منذ بدايتها.
حاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فرض أمرٍ واقع في إدلب، مستفيداً من دعمٍ أميركي لفظي. دعم بقي دون مستوى توقعات الرئيس التركي وفي مرحلة فقدت فيها الولايات المتحدة أوراقها القوية للتأثير في مسار الأزمة السورية على المستوى الميداني، وفي ما يتعلق بمستقبل سوريا بصورةٍ عامة في مدى أبعد.
محاولة إردوغان باءت بالفشل لأسبابٍ عديدة، أولها صمود الجيش السوري وحلفائه في الميدان، وتكبيدهم القوات التركية خسائر بشرية قاسية، وثانيها رسائل عسكرية حمّالة للمعاني تضع في وعي إردوغان احتمالات الخسارات الميدانية المقبلة في حال تابع مغامرته هناك، وليس آخرها انعكاسات معركة إدلب على العلاقات الروسية-التركية، وحقيقة موقف إردوغان الضعيف في مثل تلك المواجهة مع روسيا.
المحاولة التركية الفاشلة استتر وراءها هدفان لإردوغان. تمثل الهدف الأول بمحاولة فرض بقاء قواته في سوريا ضمن عمقٍ بحجم محافظة إدلب، كمقدمة تأسيسية لموقف تركي قوي في شرق الفرات. فيما تمثل الهدف الثاني باستخدام هذه المكتسبات، فيما لو تحققت، لتحسين شروط معركته بوجه الروس في ليبيا.
في مقابل محاولة إردوغان تلك وأهدافها السورية والليبية، فرضت القوات السورية مع حلفائها تنفيذا قسرياً لاتفاقات سوتشي التي لم يلتزم بها إردوغان. بعد ذلك، كان لا بد من سلّم يتيح للرئيس التركي النزول عن شجرة المغامرة الخاسرة، فكان لقاؤه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أخّره الروس بضعة أيامٍ، نضجت خلالها قناعة الرئيس التركي بالتراجع خطوة إلى الخلف.
ما من شك بأن حضور تركيا في سوريا لايزال قوياً ومؤثراً، ومن المنطقي جداً أيضاً إدراج نقاط عديدة تعلي من أهمية تركيا في أعين الروس، خصوصاً إذا استرجعنا موقف تركيا في المنافسة الجيوسياسية بين الأميركيين والروس على اجتذاب القوى الإقليمية الكبرى في "سياسة أحلاف محدّثة" تلوح ملامحها منذ سنوات من خلال الشبك الجديد بين القوى الناشئة من جهة، والتجميع الأميركي المتكرر لأطر الحلفاء في أكثر من منطقة حول العالم.
في السنوات القليلة الماضية وجدت تركيا نفسها وحيدةً عند كل مواجهة يكون فيها الروس طرفاً مواجهاً. أيضاً وجدت أنقرة أن أولى الأيادي الممتدة لانتشالها من إخفاقاتها المتكررة هي الأيدي الروسية أو الإيرانية. هكذا حصل عند تعرض إردوغان لمحاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2015، وهكذا يحدث اليوم.
وعقب توتر العلاقات الروسية-التركية على خلفية إسقاط المقاتلة الروسية فوق الشمال السوري قبل سنوات، لوحت تركيا بقدرتها على إقفال مضيقي البوسفور والدردنيل في وجه السفن الروسية المتجهة نحو البحر الأبيض المتوسط. يومها أرسلت روسيا حاملة طائرات ومجموعة من القطع البحرية العسكرية واختبرت في بحر الواقع جدّية أنقرة التي تراجعت ورضخت للتفوق الروسي الذي لم يستند إلى قدرة عسكرية إمبراطورية أكبر حجماً من القياس التركي فحسب، بل إلى حق المرور السلمي الآمن وفق القانون الدولي بما يتصل بالممرات البحرية.
إذن، لا إمكانيات فاعلة لتركيا بوجه روسيا في حالات الاحتكاك المباشر. في حالات التنافس الحاد تؤكد التجربة كل مرة أن أنقرة تحتاج إلى جيرانها من أجل استعادة دورٍ أوسع من مساحتها، وعلى رأس جيرانها إيران وروسيا الحاميتان الأساسيتان لوحدة سوريا واستقلالها، والمراهنتان على مرحلة بناء جديدة في سوريا، واللتان لن تتهاونا في مواجه أي محاولة للمساس بها.
مذكرة التفاهم الجديدة الموقعة بين بوتين وإردوغان عقب أحداث إدلب الأخيرة تضمنت وقفاً لإطلاق النار، وإنشاء ممر آمن بطول 12 كيلومتراً. والمعنى السياسي لطول هذا الممر في ظل وقف إطلاق النار يقول إنه لا ولن يكون هناك مشروعاً سياسياً لتركيا في إدلب، إنما ضماناً لأمن تركيا فقط.
النتائج الحقيقية لتصعيد إدلب الأخير والاتفاق الروسي-التركي الجديد ظهرا جلياً في مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع قناة "روسيا24"، والتي تضمنت تحديداً منطقياً للموقف من المساعي التركية في الشمال السوري، ويمكن القول إن مقاربة الأسد كانت إيجابية حين أكد أن قواته "لم تقم بأي عمل عدائي ضد تركيا"، وأنه "حتى تعود العلاقات بين البلدين" على إردوغان "التخلي عن دعم الإرهاب".
في هذا الموقف شروط طبيعية جداً ويد ممدودة لأنقرة. موقف يطرح تساؤلين ملحّين أمام إردوغان وجميع الأتراك: الأول يقول إنه إذا كانت سوريا تحارب الجماعات الإرهابية في إدلب، ما الذي يضر أنقرة في ذلك؟ أما السؤال الآخر، فهو الذي طرحه الأسد نفسه، "ما القضية التي تستحق أن يموت من أجلها الجنود الأتراك في سوريا؟".
من خلال مواقف الرئيس السوري، يتضح أن سوريا تسير نحو مستقبلها من خلال انتخابات تشريعية في غضون أشهر، على الرغم من وضعه الكرة في ملعب الأميركيين الذي يحاولون من بعيد عرقلة هذه الانطلاقة عبر ترهيب الشركات الأجنبية المتحفزة بقوة للمشاركة بإعادة إعمار سوريا من جهة، ومحاولة تأخير هذا المشروع الضخم، كما من خلال "سرقة" النفط السوري. بالإضافة إلى ترهيب الدول الأوروبية والعربية من استعادة علاقاتها بدمشق، وهو أمرٌ لا بد سيحدث بحكم قوانين السياسة ومنطق الصراع.
أما السؤال عن موقف أنقرة من الخطوة التالية بعد الأحداث الأخيرة، فقد أجاب عليه المنسق الروسي للمفاوضات بين الأطراف السورية في موسكو وجنيف فيتالي نعومكن، حين رجّح أن تسحب تركيا قواتها من إدلب، وتقبل ببسط الجيش السوري سيطرته، وتأكيده أن الجيش السوري حقق أهدافه في إدلب بإنهاء سيطرة المسلحين على طريقي M4 وM5.
تستخدم رؤية دمشق الجديدة لمستقبل سوريا دروس الحرب كقوة دافعة نحو المرحلة الجديدة. بوتين والأسد تحدّثا الجمعة 6 آذار/مارس هاتفياً عن أن تنفيذ الاتفاقيات سيحقق الاستقرار في إدلب. وهذا يبدو قراراً أكثر مما هو توقعات أو أمنيات.
المزيد في هذا القسم:
- بيروت : تهويل سعودي - أميركي على زيارة وزير الخارجية الفنزويلية ! المرصاد نت - متابعات في إطار جولة على الدول التي لم تشارك مع الولايات المتحدة الأميركية في دعم الانقلاب على السلطة الشرعية في بلاده زار وزير الخارجية الفنزويل...
- جنود ومستوطنون يقتحمون الاقصى والمقدسيون يتصدون المرصاد نت - متابعات اقتحمت مجموعات من المستوطنين وجنود الاحتلال الاسرائيلي المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة تحت حراسة امنية مشددة.وفيما قام اجنود الا...
- من انتصار تموز إلى حلب..محور المقاومة بين استحقاقين المرصاد نت - متابعات أرادوها معركة كبرى وبالفعل كانت كذلك أرادوها معركة كسر عظم فكانت أردوها إنهاء معركة إنهاء وجود فكانت أرادوها برداً وسلاماً لكنّها أبت إلا...
- حركة طائرات إماراتية وروسية في بنغازي: الدعم الخارجي آخر أوراق حفتر ! المرصاد نت - متابعات يبدو أن التصعيد الدائر حالياً على أطراف العاصمة الليبية طرابلس وصل إلى نقطة لا رجعة عنها إذ إن رفض خصوم خليفة حفتر إنهاء الفصل المتجدد من...
- ماذا يحدث عندما يقرر آل سعود شقّ عصا الطاعة؟ المرصاد نت - جعفر البكلي في شتاء سنة 1965 استرعت انتباه عملاء الـ«أف بي آي» أنشطة غريبة يقوم بها تجار السلاح في الولايات المتحدة كان هؤلاء يسعون إل...
- بيان "صادم يكشف طلبا أمريكيا".. ضجة يثيرها رد السعودية على مهاجمتها بعد قرار أوبك+ المرصاد-متابعات أثار بيان وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية تفاعلا واسعا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ما وصفوه بـ"الرد شديد اللهجة" ...
- إيطاليا .. رينزي يُقر بالهزيمة ويُعلن استقالة حكومته المرصاد نت - متابعات رفضت غالبية ساحقة من الإيطاليين الإصلاح الدستوري في استفتاءٍ أجري أمس الأحد ما دفع رئيس الحكومة ماتيو رينزي إلى الإعلان في خطاب متلفز بأن...
- ! طفل سوري : سأخبر الله بكل شيء ! المرصاد نت - روسيا اليوم يعيد إعدام "داعش" لطفل في مدينة الرقة تسليط الضوء على السؤال المحير : من أين أتت هذه التنظيمات المتطرفة والعنيفة بكل هذه الوحشية؟ ...
- مبروك للسعوديات .. أخيراً ستحصلن على نسخة من عقد النكاح ! المرصاد نت - متابعات اصدر وزير عدل النظام السعودي رئيس المجلس الأعلى للقضاء وليد بن محمد الصمعاني قرارا بتسليم الزوجة نسخة من عقد النكاح ضماناً لمعرفتها بح...
- هجمات 11 سبتمبر.. أمر قضائي باستجواب 24 مسؤولا سعوديا بينهم الأمير بندر المرصاد-متابعات أصدرت قاضية فدرالية في نيويورك أمرا للحكومة السعودية بتمكين القضاء الأميركي من استجواب 24 مسؤولا حاليا وسابقا بشأن معرفتهم المح...