المرصاد نت - روسيا اليوم
يعيد إعدام "داعش" لطفل في مدينة الرقة تسليط الضوء على السؤال المحير
: من أين أتت هذه التنظيمات المتطرفة والعنيفة بكل هذه الوحشية؟ وكيف تسنى لها أن تقلب رأسا على عقب المقدس والسامي؟
بطبيعة الحال، لا يمكن تقبل أو استيعاب ما يفعل هؤلاء وما يجول في عقولهم تحت أي مسمى أو ظرف أو عذر، بخاصة أن مثل هذه الأفعال الوحشية هي سمة هذه التنظيمات وهي تُرتكب باسم المقدسات، وتُسوقها الدعاية الفظة على اعتبارها مظهرا لـ"الشريعة" النقية.
وفي المحصلة وكما هي العادة على مر التاريخ يستلم بشر شرائع ومبادئ سامية ويقلبون ظاهرها بباطنها وينزعون عنها جوهرها ويصنعون منها سلما لأطماعهم وغطاء لنوازعهم الشريرة ولوجدانهم المريض، فكيف يمكن أن يُقيم "إنسان" فان حد "الكفر" على طفل في السابعة من عمره؟ وهل يمكن أن يصل بنا العبث إلى الجدال في هذا الأمر الجلل؟
لا يمكن أن يكون لمن يقتل براءة طفل باسم الله والدين لكن وكما يقولون الأمر من معدنه لا يُستغرب، وما قام به "داعش" في الرقة هو امتداد لسلسلة من الجرائم وصلت في ذروتها، هذه المرة إلى جسد طفل بعد أن تم في مناسبات عدة الاقتصاص باسم الله من فتيان لم يشبوا عن الطوق في قسوة ووحشية لا تستقيم مع أي وجدان سليم، ناهيك عن دين يُعرف بالسلام، وبرب يوصف في كل صلاة بأنه الرحمن الرحيم.
وكما قال طفل سوري، أو قيل على لسانه في لحظات احتضاره الأخيرة في هذه الحرب الهمجية الدائرة هناك منذ أكثر من خمس سنين: سأخبر الله بكل شيء! فكم من طفل طحنته هذه الحرب العمياء ومزقته أشلاء سيخبر السماء بما يُفعل على الأرض؟
ما يحدث في المنطقة العربية والإسلامية من تطرف وعنف أعمى باسم الدين ليس ظاهرة فريدة في التاريخ فالشرق الأوسط يعيش الآن قرون أوروبا الوسطى في استعادة متأخرة لحقبة مظلمة ومرعبة تحولت فيها المسيحية إلى مقصلة، والقساوسة إلى تجار لصكوك الغفران، وإلى جلادين في محاكم التفتيش، وإلى قادة لحشود الصليبيين المتعطشة لدماء "الكفار".
أخذت تلك الفترة الحالكة والكريهة مداها، وبمرور الوقت تبددت بأنوار الحضارة وبغلبة المعقول على المنقول، المتحرك على الجامد، الجوهر على المظهر، الخير على الشر، حدث ذلك على الرغم من هول تلك القرون وإرثها الحافل بسجل مخز لأولئك الذين نصبوا أنفسهم ظلا لله على الأرض، ظلا مزيفا عكس من حيث الجوهر صورة الشيطان كما وُصفت في الكتب المقدسة.
والأدهى والأمر أن المنطقة العربية والإسلامية دخلت الآن فيما يمكن وصفه بظلام "قرونها الوسطى" متأخرة جدا، وما كان لها أن تسمح بأن ينخر هذا الوباء جسدها، وأن يقطع عنها المستقبل بأفكار فاسدة ومفسدة حولت الحياة إلى جحيم في أكثر من بلد.
ما داعش والقاعدة وما شابههما إلا ظواهر مرضية، يخال لأتباعها أنها صحوة وقد شُبه لهم بما زين سدنتهم وادعوا وهم يسوقونهم جاعلين منهم جلادين قست قلوبهم وغارت الرحمة منها فصارت أيديهم وألسنتهم سياط عذاب.
في كل تاريخ تجد ما يروق لك من خير أو شر، من حقد أو محبة، من مفاخر أو مخاز، فلماذا لا يرث هؤلاء من أسلافهم إلا الشرور، ولا يختارون من الماضي إلا السقيم والمُنفر من القول والعمل، بل ويدعون أن ذلك هو الأصل؟
عميت بصائر هؤلاء وهم ينتقلون من غلو إلى ما هو أشد منه وأنكى حتى فقدوا آدميتهم، وباتوا معاول هدم وخناجر انتقام لا ترتوي من الدماء ولا تتورع عن إزهاق أرواح الأطفال، بل وتجرأوا على مسخ براءة عدد من الصغار بجعلهم يرتكبون أعمالا لا يقبلها لا العقل ولا الوجدان، بالدفع بهم إلى ساحات الإعدام الوحشية.
لقد انتقى سدنة السوء من التفاسير ما وافق طبعهم وساروا يُعَبّدون بجثث الضحايا طريقا للموت يسير في اتجاه واحد نحو العدم.
* محمد الطاهر... روسيا اليوم
المزيد في هذا القسم:
- الحرب المفتوحة وفوائض استمراريتها المرصاد نت - متابعات الحرب على الإرهاب الممنهج العابر لحدود الدول والقارات ليست ترفاً سياسياً تعتمده دمشق وطهران وبقية أقطاب المقاومة ولا هي تجربة مجتمعية ...
- ليبيا : قتلى وجرحى مع اشتداد المواجهات في العاصمة المرصاد نت - متابعات ارتفعت أمس حدّة الاشتباكات المسلحة التي بدأت يوم الأحد في العاصمة الليبيّة طرابلس. ويدور القتال بين تشكيلات عسكريّة تتبع وزارتي الدف...
- بوتين : محاولات خلق عالم أحادي القطب فشلت المرصاد نت - متابعات قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأحد إن محاولات خلق عالم أحادي القطب قد فشلت وإن وضع العالم يتغير. وأشار الرئيس الروسي إلى أن ...
- الاتحاد الاوروبي يعتبر السفير الأمريكي الجديد "شخصاً غير مرغوب" المرصاد نت - متابعات اعتبر رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني، أن السفير الأمريكي الجديد لدى الاتحاد والذي اقترحته ادارة الرئيس دونالد ترامب شخصاً غير مرغو...
- «11 أيلول السعودي» أميركياً: كيف السبيل للخروج من التخبّط؟ المرصاد نت - متابعات بعد الهجمات الأخيرة التي طاولت المنشآت النفطية السعودية مارس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب الدور الذي يضطلع به دائماً أي «التحمية» للقيام...
- السودان : «العسكري» يلوّح بالقوة... و«التغيير» تستعدّ لأسوأ الاحتمالات ! المرصاد نت - متابعات تتجه «قوى الحرية والتغيير» إلى تعزيز دفاعاتها في محيط ميدان الاعتصام في الخرطوم في ظلّ تتالي المؤشرات إلى نية المجلس العسكري فضّه بالقوة ...
- القوات العراقية تحرر 6 أحياء داخل مدينة الموصل والامم المتحدة تكشف تخزين داعش موادَ كيم... المرصاد نت - متابعات واصلت القوات العراقية المشتركة أمس الجمعة تقدمها داخل أحياء الموصلوأحكمت قبضتها على ستة أحياء بالمدينة سيطرت عليها في الأيام العشرة الماض...
- عباس يُستدعى إلى الرياض: «حماس» إيرانية... ويجب نزع سلاحها المرصاد نت - متابعات تتواصل حفلة الجنون السعودية في المنطقة وهذه المرة تطاول فلسطين. يبدو أن الملفات جميعها مفتوحة لدى محمد بن سلمان إذ من المؤكد أن الصور وال...
- فى ذكرى الإسراء أنقذوا الأقصى وأغيثوا حلب الشهباء المرصاد نت - محمود كامل الكومي فى شرعة العُربان الآن تجسيد لكل منتوجات الشهوه والنكاح التى صارت شغف الشبان من الأمراء قبل الكهول منهم ومن الملوك بطبيعة الحال ...
- تونس :مشاورات حكومية شاقّة.. المركب يغرق قبل انطلاقه! المرصاد نت - متابعات منذ بدء لقاءاته مع الأحزاب والفاعلين الاقتصاديين والمنظمات المهنية في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أعلن رئيس الحكومة المكلّف حبيب الجمل...