المرصاد نت - متابعات
ربما لا يخلو تاريخنا العربي والإسلامي من قاموس جَدْعِ الأنوف وصَلْمِ الآذان وقَطْعِ اللسان والأصابع وإطعامها لأصحابها وهم أحياء كما حدث مع إبن المقفّع على يد (أبو جعفر المنصور) ومع السهروردي على يد صلاح الدين وكما حدث مع معارضي الباب العالي العثماني من إعدام بالخازوق وغير ذلك كما لاحظ المُفكّر العراقي هادي العلوي إلا أنّه وأياً كانت الظروف التي رافقت استدراج الكاتب جمال خاشقجي وقرار إعدامه بصورةٍ مروّعةٍ داخل القنصلية السعودية والتي تذكّر باستدراج وتعذيب وقتل المناضل ناصر السعيد وأيّاً كانت الأطراف المتورِّطة فيها، بما في ذلك الإدارة الأميركية وأردوغان واستهدافاتهما في الموجة الثانية من ربيع الفوضى الهدّامة (من ربيع الجمهوريات إلى ربيع الملكيات) ودور فضائية الجزيرة فإن الجهات التي أمرت وأشرفت على الجريمة كانت تتحرّك على إيقاع أجندةٍ أميركية – صهيونية.
وهي الأجندة التي تذكّرنا بما كتبه المفكّر الأميركي من أصولٍ فلسطينية إدوارد سعيد في كتابيه: الإستشراق، والإمبريالية والثقافة فحسب سعيد فإن الشمال الرأسمالي الأوروبي الأميركي رسَمَ صورة للشرق كما يريد هو لا كما هي في الواقع وذلك بهدف تبريره للاستعمار والهيمنة على الشرق ونهب مُقدّراته.
وكان أخطر ما في هذه الصورة تقديم ثقافة المركزية الأوروبية للشرق كحال متوحشّة تحتاج إلى تمدينٍ بالقوّة إن لم تكن الإبادة حسب الرؤوس الحامية في المتروبولات مُتناسية التاريخ الأسود لهذا الغرب من محاكم التفتيش وفظائعها وحَرْق مفكّرين مثل برونو وتوماس مور، إلى أزمنة الامبريالية المُعاصِرة واستخدام القنابل الذريّة ضدّ المدن اليابانية والسائل البرتقالي ضدّ القرى الفيتنامية واليورانيوم المُنضّب في العراق.
وإذ اعتقد البعض أن الشمال الرأسمالي كفّ عن هذه التصوّرات في العقود الأخيرة فقد أظهرت فظائع داعش وجبهة النصرة أن أقلام الاستخبارات الأميركية والبريطانية التي اخترعت الوهّابية والجماعات التكفيرية لا تزال مسكونة بالصورة الاستشراقية السابقة ولغايات النهب والهيمنة الامبريالية.
ولا يبدو أن جريمة القنصلية السعودية بعيدة عن تلك الأصابع والاستهدافات مُضافاً إليها الدور الغائب – الحاضر للموساد الصهيوني في حربه المتواصلة لتقديم الصهاينة كممثلٍ للشمال الرأسمالي في الشرق ومثله تركيا الأردوغانية التي تسعى من خلال جريمة القنصلية إلى التساوق مع المزاعم الصهيونية وتقديم نفسها كممثّلٍ للغرب أيضاً.
هكذا جنباً إلى جنب تقدّم داعش وجبهة النصرة والقنصلية السعودية الخدمة نفسها لأقلام الاستخبارات الغربية وتصبح لوحات قاطعي الرؤوس ولاعقي الدم عن سيوف السلاطين ولوحات الجواري والخصيان في البلاط العثماني الإقطاعي مجرّد خلفيّة لصورة الشرق المذكورة: شرق الهذيانات الجنسية والإجرامية.
إلى ذلك إذا تذكّرنا إشعال النار في برج سكني للعمالة الوافدة في لندن وحادثة الدّهس التي أعقبته وحوادث أخرى مُدبّرة ومُعدّة في مطابخ ما يمكن تسميته بالإرهاب المُضاد.
والخشية من أن تكون هذه الحوادث كما تقطيع جثة الخاشقجي بداية حملة أوروبية – أميركية عنصرية لتهجير ملايين العرب والآسويين والأفارقة، مسلمين وغير مسلمين، ما يطرح تساؤلات خطرة عن حقيقة وخلفيّة أهداف صورة تقطيع الأوصال في القنصلية وغيرها والعمليات الإرهابية التي نفّذتها الجماعات الأصولية التكفيرية في أوروبا وأميركا ضدّ أهداف مدنية أساساً.
وخلف كل ذلك تقف جُملة الاعتبارات التالية:
- إذا كانت الشركات الأوروبية والأميركية هي التي أشرفت على تجارة (العمالة الوافِدة) ودعمت تجارة (لاجئي القوارب) من أجل العمالة الرخيصة التي تريحها من مطالب العمالة (البيضاء) بالأجور، والتأمين الصحّي والضمان الاجتماعي ومن الإضرابات والضغوط المختلفة، فإن هذه الشركات وجدت بدائل أخرى لهذه العمالة الرخيصة وهي العمالة الناجمة عن انهيار التجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وهي العمالة التي تتمتّع أيضاً بكفاءات أعلى.
- القلق الديموغرافي وخاصة في أوروبا الغربية العجوز التي اشتقّت إسمها الجديد هذا من تراجع الولادات ومعدّلات الإنجاب فيها، ناهيك بالنتائج الكارثية للحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين اندلعتا على أراضيها، فقد برهنت العقود السابقة على أن المهاجرين إليها من جنوب العالم لم يندمجوا أو ينجحوا في الاندماج المدني فيها وظلّوا يحتفظون بثقافتهم وتقاليدهم.
ولا يعود نقص هذا الاندماج للوافدين وحسب بل أن الأحياء العشوائية وضواحي العواصم الفقيرة ساهمت في ضرب ثقافة الاندماج وتعزيز مشاعر الإقصاء والتهميش.
والمهم هنا أن الارتفاع المُضطرد لنسبة العرب والآسيويين وخاصة المسلمين مقابل الهبوط وسط الأوروبيين عامل شديد الأهمية في تغذية أنماط مختلفة من القلق الديموغرافي مشفوعاً بأنماطٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ تغذّي الخوف والكراهية ..
- صعود اليمين بل نمط جديد من اليمين الرأسمالي الذي اخترق القاعدة الاجتماعية المفترضة لليسار وهي قاعدة العمّال والطبقة الوسطى.
فمقابل دفاع (اليسار) الاجتماعي الراديكالي عن العمالة الوافدة والبيضاء معاً راح اليمين يُحرِّض العمالة البيضاء ضدّ هذه العمالة الوافدة مُستبدلاً الخطاب الطبَقي بخطاب عنصري لا يخلو من استرجاعات طائفية مشفوعة بإسقاطاتٍ عنصريةٍ وثقافية بل وتاريخية من نمط الحصار العثماني لفيينا والحروب الصليبية.
ولا يبدو أن ظاهرة ترامب في أميركا واليمين الجديد في فرنسا واندحار قوى سياسية عريقة أمامهما، ظاهرة عابرة بقدر ما تؤشّر إلى موجة لن تنحسر بسهولةٍ وخاصة مع تفاقم الأزمة الدولية للنظام الرأسمالي وميله لتصديرها في كل مرة عبر التأجيج العنصري الداخلي والحرب الخارجية.
- من دون الإغراق في تبريرات المؤامرة اليهودية ومحافلها الدولية إلا أن إغفال هذا البُعد ينتقص من رؤية المشهد على اتّساعه ومصلحة هذه المحافل المُناهضة للجاليات العربية وازدياد نسبتها في النسيج السكاني في أوروبا وغيرها..
وليس بلا معنى هذا التشابك بين صعود اليمين في أميركا وفرنسا وبين علاقاته مع المحافل اليهودية الاقتصادية والإعلامية..
كتب : موفق محادين - كاتب ومحلل سياسي أردني
المزيد في هذا القسم:
- الغارديان: السعودية و الامارات و الاردن و تركيا نقلوا أسلحة بقيمة 1.2 مليار يورو من البلق... المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن أسلحة بقيمة مليار جنيه استرليني تدفقت في السنوات الأربع الأخيرة من أوروبا الشرقية إلى دو...
- أرتفاع حصيلة ضحايا إعتداء مانشستر إلى 22 قتيلاً المرصاد نت - متابعات أعلنت الشرطة البريطانية ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مانشستر من 19 قتيلاً إلى 22 بينهم أطفال وإصابة نحو 60 آخرين في التفجير الذي صنفته السلطات...
- تونس... الصراع على السلطة مستمر المرصاد نت - ليليا بلاز تحكم تونس منذ عام 2014 أي بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة حكومة توافق وطني تضم حركتي «النهضة» (تصوّر نفسها كمسل...
- بعد استقالة المهدي.. الاحتجاجات تتصاعد في المدن العراقية! المرصاد نت - متابعات أفاد مصدر أمني بإقامة فوج الطوارئ الثاني في محافظة النجف جداراً بشرياً لمنع المتظاهرين من الوصول إلى جسّور ثورة العشرين. وفي محافظة ذي قا...
- نتنياهو يأمر بتشديد الإجراءات الأمنية في القدس المحتلة المرصاد نت - متابعات أمر رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعزيز تواجد قوات الشرطة والجيش حول القدس الشرقية المحتلة والمسجد الأقصى استعدادا...
- المعتقلون السياسيون في سجون البحرين يدخلون إضراباً مفتوحاً عن الطعام! المرصاد نت - متابعات أعلنت مصادر حقوقية وإعلامية دخول نحو مئتي معتقل سياسي في سجن جو المركزي إضرابا مفتوحا عن الطعام تضامنا مع المعتقلين المضربين أيضا الموجود...
- «انهض واقتل أوّلاً»: تاريخ من الإرهاب الإسرائيلي ضد العرب "2" المرصاد نت - متابعات الكتاب الذي بين أيدينا «انهض واقتل أولاً: التاريخ السرّي للاغتيالات الاستهدافيّة الإسرائيليّة» لرونِن برغمانRise and Kill Fir...
- رسمياً.... إيفو موراليس رئيساً لبوليفيا! المرصاد نت - متابعات مع الانتهاء من فرز 99% من الأصوات في الانتخابات البوليفية أعلن إيفو موراليس رسمياً فوزه «الصريح» في الدورة الأولى بولاية رئاسية جديدة. فو...
- وعدُ السيد نصرالله للعدوّ: سندمّر ألويتكم على الهواء مباشرةً ! المرصاد نت - متابعات بعد 13 سنة على انتصار تموز 2006م بات يُمكن التوجه إلى جنود الجيش الإسرائيلي بالقول: «إذا دخلتم إلى أرضنا، فإنّ كلّ بقعة في لبنان ستكون عل...
- الوساطات تسابق التصعيد وحلفاء واشنطن متردّدون إزاء تحالف لحماية في الخليج! المرصاد نت - متابعات في ظل تأكيدات أن أحداً لا يريد حرباً تتطور الأحداث في الخليج بعد تبادل احتجاز ناقلتي نفط بين بريطانيا وإيران وذلك فيما تبرز تحركات تدل عل...