المرصاد نت - متابعات
في لقاءٍ خاصٍ في إحدى العواصمِ الأوروبية حضَره معنيّون بالحرب السورية أجاب مسؤولٌ روسيٌ رفيع المستوى عن سؤالٍ حول مصلحة روسيا في التوقيع على اتفاق النقاط العشر الذي جمَّد الهجوم السوري على إدلب قائلاً "نريد كِسْب المزيد من الوقت لنا وللأتراك" وأضاف "هم يخترقون تنظيم أحرار الشام ويمكنهم الضغط على عناصره للانسحاب من المحافظة". أما الوقت بالنسبة لروسيا فهو يتعلّق باستحقاق الانتخابات الأميركية المقبلة التي يمكن أن تترك تأثيراً مهماً على الموقف الأميركي من الحرب على سوريا لجهة تدعيم الخيارات التي تعتمدها إدارة ترامب أو الضغط من أجل حملها على انتهاجِ سياسةٍ خارجيةٍ أخرى.
الواضح أن أتفاق إدلب لا ينصُّ على فترة زمنية مُحدَّدة، إلا ما يَتّصل بسحب السلاح والمسلّحين، وفتح الطُرقات الواصلة بين المدن السورية الكبرى، إلى حلب واللاذقية وضمان انسحاب المجموعات الإرهابية منها وهذا يعني أن موسكو تُراهِن أيضاً على الاتفاق بوصفه فرصةً للتخلّص من الأسلحة الثقيلة للمُنظّمات المُتطرّفة وسحبها من أراضٍ بعمقٍ يُقدَّر بعشرات الكيلومترات باتجاه الحدود التركية.
لعبة الوقت في إدلب لم تَرقْ، كما لا حظنا في مقال سابق، لإسرائيل التي تُدرِك هي أيضاً أهمية الوقت وتأثير نتائج الانتخابات الأميركية على مُجريات الحرب في سوريا، فكانت غارتها الجوية الأخيرة في اللاذقية بمثابة إعلانٍ صريحٍ عن رغبتها في إعادة خلط الأوراق على الأرض وبالتالي الإفادة إلى أقصى الحدود من الصبر الروسي، والإفادة من جهةٍ أخرى من التغطيةِ الأميركية المُطلَقة لعملياتها الجوية، فضلاً عن ضغطِ دول عربية من أجل أن تُعرقل إسرائيل خروج سوريا من الحرب بشروط محور المقاومة.
ما كان بوسع روسيا إزاء اعتداء اللاذقية، أن تواصل التزام "الصبر الاستراتيجي" المستمر منذ العام 2015 تاريخ تدخّلها في سوريا وذلك للأسباب التالية:
أولاً: كانت الغارات الجوية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة تطال البنية التحتية للجيش السوري وهو ما كشفه الرئيس بشّار الأسد في لقائه الأخير مع بوتين وما أكّده الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في آخر خطبه حين قال إن البنية التسليحية للحزب قد اكتملت وإن إسرائيل تضرب الجيش العربي السوري وليس قوافل الأسلحة المزعومة للحزب، وما أكّدته أيضاً الأنباء المنشورة عن المصنع المُستهدَف في اللاذقية (يُنتِج قِطَع غيار للصواريخ والراجمات السورية) ، ومن غير المفهوم لماذا تسمح روسيا بأن تُضْرَبُ البنية التحتية للجيش العربي السوري بطائراتٍ حربيةٍ إسرائيليةٍ تمرّ فوق قواعد روسيّة توفّر الدعم والتسليح للجيش السوري نفسه.
ثانياً: لم يَرق للروس توقيت الغارات الإسرائيلية بعد اتفاق إدلب في اللاذقية وعلى مقربة من القاعدة الجوية الروسية في حميميم الأمر الذي ينعكس سلباً على علاقة العسكريين الروس على الأرض مع زملائهم السوريين الذين يتطلّعون نحو روسيا بوصفها حليفاً وليس طرفاً يُراعي التوازن بين إسرائيل ومحور المقاومة.
ثالثاً: يتناسب إيقاع الغارات الجوية الإسرائيلية المُتسارِعة داخل الأراضي السورية مع كلامٍ نسبته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مطالع سبتمبر ــــــ أيلول الجاري لمسؤولٍ رفيع المستوى في إدارة ترامب قال فيه إن الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا تقضي بخلق "بؤَر دائمة للتوتّر" لإطالة أمَد الحرب وإشغال السوريين والروس والإيرانيين فيها إلى أجلٍ غير مُسمَّى، وحتى يُتاحُ الخروج من الحرب بشروطِ أميركا وحلفائها. إن الحؤول دون إعادة بناء الجيش السوري كما يُفهَم من الغارات الإسرائيلية التي تستهدف بُناه التحتية، هو الطريق الأقصر لتأجيج بؤَر التوتّر في هذا البلد وهذا لا يتناسب أبداً مع الاستراتيجية الروسية التي تنصّ صراحةً على القضاء على تلك البؤَر والتوصّل إلى سلامٍ على مسار المفاوضات في سوتشي وأستانة.
رابعاً: ما كان بوسع الروس التزام الصمت على إهانة قواتهم الجوية بالتسبّب بسقوط طائرة اليوشن 20 والاستخفاف بهم عبر إبلاغهم عن الغارة قبل دقيقة من وقوعها وعبر تضليلهم حول وجهتها.
خامساً: حطّمت الغارة الإسرائيلية آخر ما تبقّى من احتياط الصبر الاستراتيجي الروسي ابتداء من إسقاط الطائرة الحربية الروسية من طرفِ تركيا، مروراً بإرسالِ ترامب 59 صاروخاً العام الفائت إلى مطار "سي فور" في حمص، ومن ثم الغارة الثلاثية الربيع الماضي بعد خِدعة كيماوي الغوطة وصولاً إلى طائرةِ اللاذقية. لذا كان لا بدّ من الردّ إما عبر إقفال الأجواء السورية على الطيران الأجنبي بما في ذلك الإسرائيلي وهذا يعني الانتقال من موقع الطرف الذي يحفظ التوازن بين سوريا وأعدائها إلى الطرف الشريك لسوريا بمجابهة كل أعدائها وهو ما لا يدخل في حسابات بوتين الاقليمية والدولية ولا يريده خصوصاً في هذا الوقت قبل الانتخابات الأميركية ولأنه ما زال يراهن على التزام ترامب بسحب القوات الأميركية من أقصى الشرق السوري كما وعده في قمّة هلسنكي.
لقد اختار بوتين تزويد الجيش العربي السوري بصواريخ أس 300 التي يمكن أن تساعد دمشق في ردع الضربات التي تستهدف بُنى جيشها التحتية ومطاراتها وحماية القسم الأكبر من أجوائها، عِلماً أن هذه المنظومة المدعومة بأجهزةِ تشويشٍ الكترونية رفيعة المستوى لا تُلغي الاعتداءات بل تجعلها أكثر صعوبة بكثير من ذي قبل، وتُنهي مرحلة الاستباحة السهلة للمجال الجوي السوري.
في السياق تنطوي منظومة أس 300 التي يحتاج الجيش السوري إلى بعض الوقت لاكتساب مهارة استخدامها على تطوّر أساسي في الحرب على سوريا، ليس فقط لكونها تنقل المشاركة الروسية في هذه الحرب من موقعِ التوازن إلى موقعٍ أقرب إلى دمشق وأبعد قليلاً عن إسرائيل والغرب بل وتؤكّد على عزم موسكو عدم التهاون بموقعها الدولي كقوّة عُظمى. ولعلّ هذه المبادرة ستحمل إسرائيل على عضّ أصابعها جرّاء استخفافها بكرامة العسكريين الروس طيلة الفترة الماضية .
بالمقابل من المرجَّح أن تُفضي هذه الخطوة إلى توسيع التعاون بين موسكو وبكين التي تخشى من انتقال 20 ألف إيغور من الجهاديين المُتشدّدين بمساعدة الأتراك والمخابرات الأميركية إلى الحدود الصينية وبالتالي إقفال طريق الحرير الثانية التي تريدها بكين بولفاراً عالمياً تدشِّن به في السنوات المقبلة تربّعها على قمّة الاقتصاد الأول والأكبر والأهم في هذا العالم.
ومن غير المُستبعَد أن تؤدّي هذه الخطوة النوعية إلى ردودِ فعلٍ من الطرازِ نفسه من أميركا وحلفائها الذين ربما لن يقبلوا بالخروجِ من الحربِ السورية مهزومين وليس بحوزتهم سوى خفي حنين.
قراءة : فيصل جلول - باحث لبناني مقيم في فرنسا
المزيد في هذا القسم:
- انبطاح الخليج يحول دون لقاء وزراء الخليج بـ 'هاموند' كلا على حده المرصاد نت - متابعات رضخ وزراء خارجية دول الخليج لطلب وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بلقاءهم دفعة واحدة بدلا من أن كان من المقرر الالتقاء بهم كل على...
- ترامب يتهرّب من «قمة كيم»... ابتزازاً وارتباكاً المرصاد نت - متابعات بين الابتزاز الأميركي الذي تتقنه هذه الإدارة بصورة فوضوية و«الارتباك» في صلبها حول المآلات التي يجب أن تخرج بها القمة التي كا...
- نصف مليون سعودي يتعرضون للضرب من قبل زوجاتهم ! المرصاد نت - متابعات كشف مركز “واعي” للاستشارات الاجتماعية عن استقباله أكثر من نصف مليون شكوى من رجال سعوديين تعرضوا للضرب من قبل زوجاتهم خلال الف...
- قتحام الحرم المكي حادث غير بريء ويسقط في خانة العدوان على الإسلام المرصاد-متابعات تداول مغردون، صباح اليوم السبت، مقطعا مصورا يظهر سيارة مسرعة تقتحم الساحات الخارجية للحرم المكي وتصطدم بإحدى البوابات. ويظهر الفيد...
- 83 ألف مهاجر وصلوا أوروبا في 10 أشهر ! المرصاد نت - متابعات أعلنت منظمة الهجرة الدولية أمس الجمعة أن «نحو 83 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا أوروبا بحراً في الأشهر العشرة الأولى من 2019». وقالت المنظمة ا...
- الإمارات فتحت الباب على مصراعيه لغير المسلمين لمواجهة "الإسلام السياسي" المرصاد نت - متابعات سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها الضوء على وضع الدين في الإمارات مشيرة إلى انفتاح غير مسبوق في الإمارات على الأديان الأخرى ظهر ...
- تونس: مواجهات مع الشرطة احتجاجًا على مقتل شاب في مركز أمني! المرصاد نت - متابعات اندلعت مواجهات عنيفة بين متظاهرين وعناصر من الأمن التونسي في بلدة براكة الساحل جنوب شرقي تون احتجاجًا على وفاة شاب داخل مركز للشرطة ونقل...
- الشاهد في واشنطن لبحث الدعم أميركيّ ... بأيّ ثمن؟ المرصاد نت - متابعات أنهى أمس رئيس الحكومة التونسيّة زيارة لواشنطن استمرت أربعة أيام حاول خلالها البحث عن مكان جديد لتونس ضمن خريطة إدارة ترامب في المنطقة وخا...
- معهد "كارنغي" للدراسات: بوتين ينوي مواجهة الهيمنة الغربية بحصانة ترامب المرصاد نت - متابعات كتب باحث أمريكي في تحليل له نشره معهد "كارنغي" للدراسات الاستراتيجية أن الرئيس الروسي ينوي و"بحصانة من ترامب" وضع موسكو على الجبهة الأمام...
- الأردن : دعوات إلى عصيان مدني احتجاجاً على قانون ضريبة الدخل المرصاد نت - متابعات عاد المشهد في الأردن للتأزم من جديد وطرد مواطنون أردنيون في محافظة الطفيلة جنوب البلاد فريقاً وزارياً خلال ترويجه لقانون ضريبة الدخل المع...