من قرأ موقف الرئيس هادي من حرب عمران باعتباره "موقفاً محايداً" مخطئ، ومن اعتبره موقفاً سلبياً مخطئ أكثر.
رغم أنه بدا في سياق نسق كامل من مواقف "الحياد السلبي" التي اتخذها ويتخذها حيال الكثير من القضايا وحتى الحروب، إلا أن موقفه من حرب عمران لم يكن كذلك في تقديري: هادي اتخذ موقف "الحياد" فقط من طرفي الحرب المتمثلين في الإصلاح والحوثي، لكن "حياده" هذا شكل في الواقع انحيازاً للجيش والدولة.
حاول الإصلاح تضليل الجميع بإقناعهم أن حرب عمران ليست بينه وبين الحوثي بل بين الأخير وبين الجيش والدولة، وربما نجح في تضليل كثيرين ينظرون بقلق الى وثبات الحوثي في عمران وغيرها من محافظات الشمال، وقلقهم هذا في محله لاشك، فالحوثي ليس جماعة تحمل الورد ولا وعداً بمستقبل زاهر. غير أن قلقهم من الحوثي حولهم الى مجرد مؤيدين عميان وسذُّج للحرب التي يطمح الإصلاح الى جر البلاد اليها من أجل تحقيق أجندته وأهدافه الخاصة لا أجندة وأهدافاً وطنية.
اقلقوا من الحوثي، فقلقكم منه في محله! لكنْ، لا تحولوا قلقكم هذا الى عصابة سوداء يلفها الإصلاح حول عيونكم لكي يزج بكم وبما تبقى من جيشكم ودولتكم في حروبه الخاصة التي لم ولن تكون حروباً وطنية. لقد ضللكم الإصلاح بشأن حربه في عمران، وقد سعى من خلال وسائل إعلامه ودعايته الى إظهار الرئيس هادي بصورة من خان الجيش والدولة، أو من خذلهما في أفضل الأحوال. غير أن الواقع يقول غير ذلك.
موقف هادي من حرب عمران كان مفهوماً ومنطقياً: هناك حرب واحدة يخوضها الجيش والدولة بقرار رسمي واضح ومعلن، وهي تدور في الجنوب. وهذه الحرب حظيت بتأييد شعبي ووطني غير مسبوقين، لكن هناك طرفاً سياسياً لديه جناح عسكري داخل الجيش، هو الإصلاح، انفرد بموقف معارض ورافض لهذه الحرب التي التف اليمنيون حول الجيش والدولة فيها، وسعى بكل الوسائل والسبل لإيقافها وإحباطها والزج بالجيش والدولة في الحرب الدائرة في الشمال بينه وبين الحوثي منذ شهور. وحين لم تفلح مساعيه، حاول اجبار هادي على دخول الحرب التي يخوضها بدون قرار ولا موافقة من هادي من خلال ترك الأمور بين الحوثي ولواء القشيبي تصل الى النقطة التي تفرض على هادي التدخل. وهذا ما كاد ينجح فيه فعلا بعد سيطرة الحوثيين على مواقع تابعة للجيش في عمران، الأمر الذي فرض ربما على هادي توجيه قوات الطيران بالتدخل في خطوة مفهومة، خطوة لم يجبره عليها كما يبدو الإصلاح فقط بل الحوثي أيضاً.
غير أن هادي فرض كلمته على الإصلاح وحلفائه في عمران: لن يلتحق الجيش والدولة بحربكم، فحربكم ليست حربنا، هذا ما قاله لهم موقفه من الحرب وما أكده ضمنياً اتفاق وقف اطلاق النار. لست مؤيداً لسياسات هادي، ومن بينها: سياسة "الحياد السلبي" التي اتبعها ويتبعها حيال الكثير من القضايا الوطنية الحساسة، لكن موقفه من حرب عمران كان مختلفاً تماماً، وكان موفقاً أيضاً.
ولم يقتصر الأمر على هذا: في حسابات المكاسب والخسائر، يبدو واضحاً أن الإصلاح تكبد في عمران الكثير من الخسائر التي ربما لن تكون آخرها قرار هادي الصادر اليوم بإقالة محافظ عمران، كما يبدو واضحاً أيضاً أن الحوثي خرج من المواجهة في المقابل بالكثير من المكاسب الخاصة به طبعاً. غير أن هناك طرفاً ثالثاً حقق مكاسب هامة في حرب عمران دون أن يخوضها، وهو: هادي.
هادي خرج من حرب عمران بمكسب كبير تمثل في انتزاع "قرار الجيش" من يد علي محسن الأحمر وبيت الأحمر والإصلاح، أو على الأقل تمثل في التأكيد على أن قرار الجيش يجب أن يكون قرار الرئيس هادي وحده. بموقفه من حرب عمران الذي انتقده عليه كثيرون، أوضح هادي أمرين: الأول أنه ليس- أو لم يعد- "تابعاً" لعلي محسن والإصلاح كما هي الصورة الشائعة عنه. والثاني أن قرار الجيش أصبح في يده ليس بحكم أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في الدستور فقط، وإنما أيضاً- وهذا هو الأهم- بحكم أن مركز القوى الأقوى والمنافس له داخل الجيش والمتمثل في علي محسن والإصلاح خسر الحرب على أرض الواقع حين قرر خوضها بوحدات الجيش الموجودة في يده بدون قرار أو موافقة هادي، أو بإيجاز أكبر: بدون هادي.
باختصار، ربما بات علينا من الآن فصاعداً أن نغير نظرتنا الى العلاقة بين هادي وعلي محسن: لم يعد هادي مجرد نائب لعلي محسن أو مستشار له كما هي النظرة السائدة للعلاقة بين الرجلين، بل هو علي محسن من أصبح- أو في طريقه الى أن يصبح- مجرد مستشار لهادي كما هي صفته. وفي الأخير، تبقى هذه مجرد قراءة أولية تحتمل الصواب والخطأ كما هي الأحداث الجارية تحتمل الكثير من التطورات في اتجاهات ووجهات ما تزال غير منظورة أو غير واضحة على الأقل.
المزيد في هذا القسم:
- بن سلمان في واشنطن ! بقلم : عبدالعزيز القطان المرصاد نت الغرب ماكر وخبيث ويمثل دور الحليف في الوقت الذي لا يمانع فيه توجيه طعنة قاتلة لحليفه. ولا يدافع عن حليف عندما يقتنع بأن الحليف أصبح عبئاً عليه، ...
- هؤلاء الجهلة الذين لا يقرأون التاريخ جيداً كتبت: اخلاص القرشي المؤامرة على اليمن كبيرة لم يكتفي هؤلاء اللقطاء لقطاء الهنود والأفغان والفرس .هؤلاء الذين لا أصل لهم ولا نسل ولا نسب ولا تاريخ . لم يكتفوا...
- يوم الأرض بعد قمة الكويت !! نحنُ هذي الأرض فيها نلتظي وهي فينا عنفوان واقتتال من روابي لحمنا هذي الربى من رُبى أع...
- قوى متحاربة خارج السياق الوطني! المرصاد نت يبدو أن التحولات السياسية والعسكرية التي أنتجها صراع السلطة في جنوب اليمن حدّدت إلى حد كبير الملامح المستقبلية للتحالفات السياسية اليمنية بهدف ترسي...
- أيام العدوان تكشف المزيد من حقيقته ! بقلم :حميد دلهام المرصاد نت كلما مر يوم من ايام العدوان،، كلما اتضحت حقيقة ولب الأجندة الملكية الخاصة، التي تقف وراءه ،، و تكشفت أكثر الأهداف الحقيقية، التى دفعت ال سعود ال...
- مصيبة ( التبعيض ) في اليمن !!! لطالما نلجأ إلى (التبعيض) عندما نريد أن نتذاكى ونعوّم القضايا لتطفو في بركتها الآسنة هرباً من تحميل طرف بعينه مسؤولية واقعة ما ، كي نبدو في منطقة الوسط بين طرفي...
- هل بدأ الربيع الخليجي المرحله الثانيه من مشروع الفوضى الخلاقة ! المرصاد نت اغلب سكان الأرض يتمنى زوال نظام آل سعود الراعي الرسمي للإرهاب العالمي المقنع ( باسم الإسلام ) وأكثر المتضررين نحن أهل اليمن القابعين تحت عدوانهم الغ...
- الرياض توقف نفطها المتوجه غربا.. جهد العاجز المرصاد نت السعودية التي دخلت في عدوان همجي على اليمن تحت ذريعة حماية وإنقاذ الشرعية وإعادتها الى صنعاء وأنهاء ما سمته الإنقلاب وكانت تامل حينها أن تحقق أهداف...
- وارسو.. أي “أمن وسلام”؟! المرصاد نت قد يكون مؤتمر وارسو فاشلاً في ما يتعلق بإيران على الأقل في المدى المنظور؛ لأَنَّ مصالح الدول الغربية باتت تصبّ في شاطئ غير الأميركي لكن الموضوعية ت...
- عن “قلب العروبة النابض”! المرصاد نت “قلب العروبة النابض” معتل، و”الأهل” لا سيما الأغنياء بالنفط والغاز منهم مشغولون بثروتهم الهائلة من النفط او الغاز (حتى لا ننسى قطر).. أما الفقراء م...