سرقة النفط العربي والفوضى سياسة الإدارة الأميركية!

المرصاد نت - متابعات

أيُّة سياسةٍ خارجية تلك التي تعتمد النفاق والتصاريح الكاذِبة وغير المدعومة بأدلّةٍ قطعية، خصوصاً وأنها موجَّهة إلى شعوبٍ خرجت إلى الشارع لتُعبِّر عن أوجاعها وآلامها ومطالبها؟Naftarab2019.11.23

ما من شكٍ بأن تلك التصريحات تندرج تحت عنوان التحريض الخطير في مجتمعاتٍ مُنقَسِمة حول قضايا سياسية وأساسية واضحة، أرادت الولايات المتحدة استغلالها وحَرْفِها عن مسارها الطبيعي لتجني من ورائها مكاسب غير متوقَّعة قبل التظاهُرات والحراك الشعبي، تستطيع من خلالها تعويض جزء من خسائرها السياسية والعسكرية في المعارك التي تخوضها في المنطقة.

لا تحتاج التصاريح الأميركية عموماً وتلك التي يُطلِقها ساستها إلى تفسيرٍ أو تأويلٍ لمعرفة وجهتها وأهدافها خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا تحتاج إلى اللباقة واللياقة والدبلوماسية التي تفتقدها أصلاً السياسة الأميركية، وتفضّل اتّباع سياسة العنجهية الممزوجة بتقصّد الاستخفاف وإهانة عقول الآخرين، في الوقت الذي يعتقد فيه الأميركيون أن استراتيجية "الإهانة"هي أحد أسباب قوّتهم وتأثيرهم، ناهيك عن سياسة النِفاق والأكاذيب والتحريض وكل ما من شأنه الإيحاء بقدرة الولايات المتحدة على الاحتفاظ بمكانتها العالية والتي لا يُشاركها فيها أحد، ولا نجد دليلاً أوضح من ذاك النهج الذي دأب الرئيس دونالد ترامب وفريق إدارته على اتّباعه حيال دول الخليج عموماً والنظام السعودي ومَلكه ووليّ عهده بشكلٍ خاص.

فأيَّة تصريحاتٍ وتغريداتٍ تلك التي أطلقها الوزير مايك بومبيو من بوابة مُساندته الاحتجاجات العراقية واللبنانية ضد ما دعاه بـ"الهيمنة" الإيرانية على بلديهما؟!، والتي حاول فيها أن يحلّ محل عقول الشعبين اللبناني والعراقي، ويُحلّل أسباب تدهور أوضاعهما الداخلية، ويخرج بتفسيرٍ وَقِح، يُحمِّل فيه الدولة الإيرانية المسؤولية الكاملة عن الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي هناك، وأن الشعبين اللبناني والعراقي اكتشفا "أن الفساد هو أعلى صادرات النظام الإيراني" عبر حكومتيهما المواليتين له!، ياله من وزير يدعم إفلاسه السياسي بالأكاذيب.

لم يخفِ بومبيو رغبة بلاده وتحريضها وتورّطها في دعم إسقاط تلك الحكومات، ولم يجرؤ على الإفصاح بأن حكومته وسفارات بلاده هي بالأساس مَن يقف وراء تعقيد حياة الشعبين وانتشار الفساد والضغط على المواطنين في لقمة عيشهم عبر أزلامهم وعملائهم في كلٍ من البلدين، وأنها تقف أمام حل كل المشاكل الاقتصادية والسياسية التي افتعلتها، وساهمت في تعزيز الانقسام الحاد حول الدور السلمي والطبيعي لإيران في المنطقة.

ولم يكتف بومبيو بالتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية والعراقية، بل تعدَّاها إلى التدخّل في الشؤون الإيرانية، وبتلك الاحتجاجات التي خرجت للتعبير عن استيائها من رفع أسعار الوقود، ولم يخجل من وصفها بـ"الانتفاضة"، وبالحديث عن دعم ووقوف واشنطن إلى جانب المتظاهرين، لكنه في الحقيقة لم يكن ليُقرّ بدعم بلاده "لبعض مُثيري الشغب في بعض المدن الإيرانية" – بحسب وزارة الخارجية الإيرانية-، وإطلاقه تصريحاتٍ "مُنافِقة وانتهازية"- بحسب المُتحدِّث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي.

ما الذي يفعله الوزير بومبيو؟ وهو وزير خارجية الدولة "العُظمى" وما هي السياسة التي يرسمها لبلاده عبر تصريحاتٍ كاذِبة، وتغريدياتٍ سخيفة؟

لقد أكَّد أنه الوزير الأضعف في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية على الإطلاق، والذي لم تُعرَف له سياسة أو نهج أو موقف سوى إرضاء اللوبي الإسرائيلي في أميركا، وقادة الكيان الغاصِب في فلسطين المحتلة، يبدو أنه وجد نفسه لساناً وبوقاً صهيونياً للولايات المتحدة، وليس عقلها كوزيرٍ للخارجية، واختار أن يكون الناطق الرسمي باسم الشتَّامين ومُثيري الشغب وخَوَنة الأوطان ليس إلا.

من الواضح أن وزير الفتنة والتحريض الأميركي، لا يُدرِك طبيعة دول وشعوب المنطقة، ولا يفقه في تركيبتها الفُسيفسائية، وعَرَاقتها التاريخية والحضارية والدينية، ولم يصغ إلى حديث سماحة السيّد علي السيستاني بأن "هناك أطرافاً خارجية وداخلية ممَن قد يسعون اليوم إلى استغلال الاحتجاجات الحالية".

كما لم يصغِ كذلك إلى كلام سماحة السيّد حسن نصرالله، الذي فَضَحَ الدور الأميركي في لبنان، وكيفيّة تدخّله لمنع الحكومة من فتح شرايين الاقتصاد نحو العراق وعبر دمشق، ومنع توقيع عشرات العقود مع الشركات الصينية والروسية والإيرانية، ومنع تنفيذ عشرات المشاريع كالسكك الحديدية التي تربط لبنان بسوريا وصولاً إلى العراق وإيران.

كما كشف تصريحات النفاق الأميركي عن حقيقة تدخّل الإدارة الأميركية ومحاولاتها لاستثمار الفوضى، تحت عنوان الحدّ أو القضاء على النفوذ الإيراني في لبنان. لقد أكَّد السيد نصرالله أن النفوذ الإيراني في لبنان بحسب العقلية والمفهوم الأميركي هو المقاومة.

ولا بد من وضع تصريحات بومبيو، بما تخفيه من نوايا وأهداف صهيو- أميركية، تتجلّى بصورةٍ واضحةٍ في كل ما يحصل في لبنان وسوريا والعراق وإيران، عبر السعي إلى تعميم الفوضى والفتنة بغية تقطيع وشائِج المجتمعات والعلاقات بين الشعوب في الدولة الواحدة وبين تلك الدول عموماً، من أجل هدفٍ رئيسي وحيد هو استهداف محور المقاومة والإنجازات التي حقَّقها، التي ستتضاعف مع انتهاء الحرب – الدولية - الإرهابية على سوريا والعراق، واتجاه المنطقة بشكلٍ طبيعي نحو استعادة استقرارها وبناء اقتصادها بالاعتماد على الثروات النفطية والغازية خصوصاً تلك المُكتَشفة حديثاً.

من الواضح أن أميركا تقاتل بشراسةٍ من أجل وضع يدها على تلك الثروات، وبتأكيد الرئيس ترامب أنه "مُستَعِدٌ للقتال والمواجهة" وذلك في حديثه عن حقول النفط السورية.

إن سعي الولايات المتحدة إلى إشعال المنطقة وإغراقها في أتون الفوضى، يتناقض تماماً مع ما تدّعيه من شعاراتٍ مُزَّيفة رفعتها لمُناصَرة الحرية والديمقراطية، ويؤكّد أنها لا تكترث بحياة الشعوب وانهيار دولها، وربما استعدادها لإدخالها في حروبٍ أهلية طائفية أو عِرقية لا فرق، مقابل السطو على ثروات ومُقدَّرات شعوبهم ودولهم.

ولا بد من قرع أجراس التحذير من الوقوع في الخطيئة الكبرى مُجدَّداً، فالولايات المتحدة تمتلك ما تمتلك من العملاء والخَوَنة في المنطقة، وتمتلك مفتاحها "الذهبي" للإبقاء على وجودها العسكري في سوريا والعراق عبر إحكام قبضتها على سيف تنظيم "داعش" وسيف نظام آل سعود وأزلامه، الذين تعتمد عليهم لدعم أعداء المقاومة في لبنان والعراق وسوريا وحتى داخل إيران.

لا أحد يستطيع التنكّر لحقوق الشعوب، ولتظاهراتهم والبوح العَلَني بأوجاعهم وآلامهم، ورفضهم لاستمرار الفساد الذي نَخَرَ حياتهم، وأطلق يد بعض الطبقة السياسية كوكلاء لعلي بابا وكانوا بامتياز الأربعين حرامي، ووقفوا سدّاً منيعاً أمام تطوّر وازدهار البلاد، وإفساح المجال أمام العيش الرغيد وبكرامة. لكن، لا بد من التمييز بين المتظاهرين العفويين ومطالبهم المُحِقّة، وبين المُندَّسين والمُسيَّسين وأزلام الفساد وعملاء الخارج، ومنع الحراك من الخروج عن الإطار الوطني كي تصل الشعوب إلى مُبتغاها، وقطع الطريق على كل مَن يتربَّصون بالبلاد شراً.

سرقة النفط العربي هل هي جديدة على الإدارة الأميركية؟
سرقة نفط الوطن العربي تجري منذ سنوات كثيرة وليست وليدة اليوم، فالإدارة الأميركية تُهيمن على معظم مصادر النفط في الوطن العربي وأكبرها، فهي مثلاً تسطو على نفط السعودية الذي توضع جلّ عائِداته في البنوك الأميركية.

هذا الأمر ليس سرّاً والذي يستفيد من تلك العائِدات هي الولايات المتحدة الأميركية وهي تلعب لعبة تعتبرها ذكيّة ولكنها لعبة مفضوحة حين أصبحت تبيع الأسلحة والذخائر للمملكة العربية السعودية بهدف الحصول على أموال النفط.

ولأن تلك المبيعات لا تكفي للحصول على أموال السعودية فقد ورّطت السعودية بتمويل الإرهاب وتمويل الحرب على سوريا وعلى اليمن وشراء المُرتَزقة في حربها الغبيّة، وقد نجحت الإدارة الأميركية بالحصول على أموال المملكة العربية السعودية بهذه الأسباب وباختلاق أسباب أخرى هي الدفاع عنها ضد مَن اعتبرتهم أعداء لها، ولهذا فإن دونالد ترامب لم يتوانَ عن مُطالبة السعودية بدفع الأموال دِفاعاً عنها إلى حد وصفها بالبقرة الحلوب التي يمكن أن يذبحها حين يجفّ ضرعها أي حين تُفلِس، وقد جعلت هذه الحروب التي تورّطت بها السعودية بوضعٍ مالي مُحرِج بسبب رعونة قيادتها.

لا تتوقّف السرقة العَلَنية عند هذا الحد، بل تتجاوزها إلى التكاليف الباهِظة التي تدفع جرّاء وجود القوات الأميركية في الخليج منذ عام 1990، فهناك تسهيلات عسكرية مختلفة لعناصر مُتعدِّدة من القوات الأميركية في الدمّام والهفوف والخُبَر وتبوك وينبع وقاعدة الملك عبدالعزيز في الظهران، وقاعدة الملك فهد البحرية في جدّة وقاعدة الملك خالد الجوية في أبها وقاعدة الرياض العسكرية وقاعدة الطائف العسكرية، وأقوى مواقع التواجُد العسكري قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب الرياض حيث يوجد فيها 5100 جندي أميركي، وتضمّ قيادة القوات الجوية الأميركية في الخليج التي نقلت بعض عناصرها إلى قطر، تُضاف إليها 42 مُقاتِلة إف 15 وأف 16 وأف 17 كما تتواجد في القاعدة عناصر عسكرية بريطانية (200 جندي) وفرنسية (130 جندياً) تدعمها طائرات تورناد وميراج وطائرات نقل عسكرية.

كل هذا الوجود ليس مجانياً بل تدفع تكاليفه السعودية، وهذا يعني أن السعودية تُعتَبر إحدى القواعد الأميركية في الوطن العربي ولذلك ليس مُستغرَباً أن تكون كل أموال المملكة في جَيْبِ السيّد الأميركي فهي في الواقع مُحتلّة أميركياً وفاقِدة لسيادتها وقرارها المُستقل ولذلك لا يمكن للسعودية إلا أن تكون صهيوأميركية تُنفِّذ ما يُطلَب منها.

لا يقتصر الوجود الأميركي فقط على السعودية بل تكاد تتواجد القواعد الأميركية في كل دول الخليج والعراق يتواجد فيه آلاف الجنود بشكل رسمي ومبطّن وفي قطر تتواجد القوات الأميركية في قاعدة "العديد" الجوية التي تقع غرب الدوحة وتُعرَف باسم مطار أبو نخلة، وتستضيف القاعدة مقر القيادة المركزية الأميركية وهي مقر لمجموعة كروب 83 التابعة لسلاح الجو المَلَكي البريطاني ويوجد مقر لمجموعة تابعة للقوات الجوية الأميركية ومقر للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضمّ قاذفات ومُقاتلات وطائرات استطلاع إضافة إلى عددٍ من الدبّابات ووحدات الدَعم العسكري.

وفي البحرين توجد في المنامة قاعدة أميركية هي موطِن للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأميركي الذي يخدم فيه 4200 جندي أميركي، ويضمّ حامِلة طائرات أميركية وعدداً من الغوّاصات الهجومية والمُدمّرات البحرية وأكثر من سبعين مقاتلة إضافة إلى قاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزوّد بالوقود المُتمركِزة في قاعدة الشيخ عيسى الجوية.

وفي الكويت توجد قاعدة معسكر الوحدة على بُعد 60 كم عن الحدود مع العراق، وتضمّ أكثر من تسعة آلاف جندي، وكذلك معسكر عريجان وهو قاعدة أميركية فيها أكثر من تسعة آلاف جندي أميركي.

كذلك الأمر في عُمان حيث توجد خمس قواعد عسكرية لها الحق باستخدام 24 مرفقاً عسكرياً، والإمارات فيها عدَّة قواعد عسكرية منها قاعدة الظفرة الجوية وفي ميناء زايد ورشيد لاستقبال السفن الأميركية، وفي مصر أيضاً قاعدة جوية مصرية غرب القاهرة تستخدمها القوات الجوية الأميركية، وفي الأردن هناك اتفاق باستخدام المرافق العسكرية، وفي المغرب عدَّة قواعد تستخدمها الولايات المتحدة.

ماذا يعني وجود كل تلك القواعد؟

يعني أنّ الولايات المتحدة تُسيطر على كل تلك الدول، والسيطرة هنا تعني احتلالاً غير مُعلَن حيث تستولي الإدارة الأميركية على مُقدَّرات البلاد وخيراتها وسياساتها، ووجود تلك القواعد ليس مجانياً وهو بالتأكيد ليس حبّاً بالكُحل الموجود في عيون أمراء وملوك تلك الدول.

إنّ دور الولايات المتحدة عبر التاريخ قائِم على سرقة ونَهْب خيرات الوطن العربي، ولذلك فإنّ وقاحة ولصوصيّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليست جديدة، لأن الولايات المتحدة قائمة بالأساس على أساليب المافيات والسرقة والنَهْب حسب ما تظهره الأفلام الأميركية، وإذا كان الرؤساء السابقون لم يظهروا بتلك الوقاحة فلأنهم لم يُسقِطوا ورقة التوت كما أسقطها دونالد ترامب الذي اعترف رَسميّاً بسرِقَة آبار النّفط والغاز السوريّة شرق الفُرات، واقترح دعوة شركات مِثل "أكسون" لإدارتها والاستيلاء على عوائِدها.. فما الفَرْق بينه وبين قُطّاع الطّرُق وزُعماء المافيا؟ وكيف يَصمت العالم على هذهِ الجريمة؟

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية