المرصاد نت - متابعات
تدحرجت قضية العرب الأولى من سقفها الأعلى إلى أدنى مستوياتها بعد انطلاق ورشة البحرين الاقتصادية، التي أقامتها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع بعض الدول العربية التي وافقت أن تكون جزءاً من صفقة القرن كما يحبّ أن يسمّيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي صفقة بدأت ملامحها تتّضح شيئاً فشيئاً انطلاقاً مما يدور في كواليس هذه الورشة التي غاب عنها الطرف الأساسي في القضية عمداً رفضاً لأية توصيات قد تخرج بها هذه الورشة، فقد رفضتها الدولة الفلسطينية من الأساس ومن ورائها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية جمعاء، لأنها صفقة تُقصي القضية الفلسطينية وتميّعها وتجرّدها من أية مطالبة بإقامة دولة بأركانها وأسسها عاصمتها القدس الشريف.
لقد بات فعلاً أن الفلسطينيين اليوم وبعد هذه الورشة يعيشون على الهامش، فكوشنير نصّب نفسه حاكماً عاماً عليهم ووصياً على إسرائيل بعد أن وعد الإسرائيليين بتحقيق ما يريدون وتوعّد الفلسطينيين بحرمانهم من أبسط الحقوق، وحاول ذرّ الرماد في العيون رغم عِلمه أن الرماد يؤلم العيون، وقد يسبّب جروحاً وقروحاً قد يعطّل وظيفتها الأساسية، وقد يستعيد الفلسطينيون عافيتهم رغم هذا الرماد الذي حاول ذرّه كوشنير في البحرين عمداً ، بقوة العزيمة والإصرار والتحدّي والتمسّك بالثوابت إلى آخر رمق، ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل والطرق لإجلائه من فلسطين ومن كل شبر محتل.
ورشة البحرين ظاهرها تبحث القضية الفلسطينية اقتصادياً وتُقصيها سياسياً، وباطنها وأساسها إلهاء الفلسطينيين بالمال مقابل التنازل عن الأرض وعن القدس وعن كل ما يمتّ بصلة بتاريخ فلسطين، وهو عَرْض لا شك مازال يرفضه الفلسطينيون رفضاً قاطعاً دولة وشعباً، رغم موافقة بعض الأطراف العربية على هذا العرض المفروض من الإدارة الأميركية بالقوة لا بالحوار والإقناع، فأميركا عملت على تجريد السياسيين الفلسطينيين من وظيفتهم السياسية والأساسية وهي الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل العربية والإقليمية والدولية ، وأصبحت تتحدث مباشرة باسم الشعب الفلسطيني وتحاول أن تنقذه اقتصادياً، لكن اللعبة انكشفت ولم تنطو الحيلة على الفلسطينيين الذين بقوا إلى حد الآن صامدين ومتفقين على أن ورشة البحرين تُميت القضية بالأساس وتدفنها إلى الأبد، وتعترض على مشاركة بعض الأطراف العربية كالإمارات والسعودية والأردن وتطالب بإعادة المفاوضات من حيث توقفت وعلى مسارها القديم.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية جادّة في مسارها الجديد الذي بدا متوحّشاً ومغطّى بالإغراءات الماديّة المزيّفة لإسكات الأصوات المعارضة، ويبدو كذلك أن العرب بدأوا ينسحبون شيئاً فشيئاً من المشهد الفلسطيني ومطالبة الاحتلال بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، هذه العبارة التي كنّا نسمعها دوما ويردّدها الحكّام العرب في قممهم ستغيب عن المشهد السياسي في القمم المقبلة بعد أن حسم كوشنير الموقف بهذه الورشة البحرينية، ففي دولة عربية وفي منطقة ساخنة ومتوتّرة تُعقد الورشة الأميركية الخاصة بالقضية الفلسطينية في غياب فلسطيني وعربي وحضور أميركي وعربي، لإنهاء أي دور فلسطيني رسمي وفرض أمر واقع جديد يخدم الاحتلال ويلجم الاستقلال.
وبعد أن كان العرب قد رفعوا شعار اللاءات الثلاث، في قمّة الخرطوم سنة 1967م، لا سلام مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل، تدحرجت القضية إلى شعارات أخرى في قمم أخرى تلتها، ففي القمّة العربية 2002م طرح الملك عبد الله مبادرة عربية شعارها الأرض مقابل السلام، هدفها إنشاء دولة فلسطينية مُعترَف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وأمام تخاذل العرب وانقسامهم وتشتّتهم والحروب التي حدثت تراجعوا إلى الوراء أكثر، ولم يتحقق شيء من ذلك بل استأسدت إسرائيل وأصبحت تطالب الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب بتحقيق حلمها بعد أن رأت ترامب يقف في صفّها، ليأتي كوشنير اليوم بخطة جديدة تمحو كل ما سبق بعد أن تمكّن من ترويض مَن كان يدافع عن القضية الأولى، ويُسكِت أصوات مَن يُردّدون المطالبة بحق الفلسطينيين بدولة.
نحن اليوم أمام فصل أخير من المشهد، حيث السلام المزعوم تلخّص في تقديم معونات للفلسطينيين لتحسين ظروفهم الاقتصادية، والبحث عن وطن بديل يحويهم، ونسيان أن القدس أرض عربية إسلامية، وقد يفرض هذا الأمر بالقوّة بعد أن عجز العرب على فرض ما يريدون بالقوّة رغم أنهم كانوا يمتلكونها وما خفي كان أعظم.
قراءة : فوزي بن حديد -كاتب تونسي
المزيد في هذا القسم:
- قمة سلمان في الظهران… هروبٌ من الرياض واختباء بعباءة القدس المرصاد نت - متابعات بعد أن هربت من الرياض واحتمت بمدينة الظهران السعودية خشية من الصواريخ الباليستية اليمنية اختبأت القمة العربية وراء شعارات كاذبة لا تمت لت...
- الكيان الإسرائيلي لا يستعجل العلاقات الدبلوماسية: التخلّي العربي عن فلسطين كافٍ! المرصاد نت - متابعات ليست إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع عدد من الدول العربية ــــ على أهميتها ــــ غاية في ذاتها لإسرائيل. إذ إن مستوى العلاقات، كما هو اليو...
- تعديل دستوري وشيك: السيسي رئيساً حتى 2020 من دون انتخابات؟ المرصاد نت - متابعات تبدو الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تنعقد في أيار/ مايو 2018 في مهبّ الريح إذ إن تعديلات دستورية وشيكة قد تشمل إطالة مدة الرئاسة ...
- العدو الإسرائيلي والإمارات في مناورات مشتركة في قبرص المرصاد نت - متابعات يشارك سلاح جو العدو الإسرائيلي هذه الأيام في مناورات جوية مشتركة مع كل من الإمارات واليونان والولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا وقبرص. ...
- استشهاد مواطن في هجوم لقوات الأمن السعودية على أحياء سكنية بالقطيف المرصاد نت - متابعات استشهد مواطن وجرح عدد من أفراد اسرته في هجوم لقوات الأمن السعودي عل منزله في حي الريف في بلدة العوامية بالقطيف شرق السعودية. ونقل موقع...
- معارك في كشمير الهندية وسقوط عدد كبير من القتلى المرصاد نت - متابعات قتل أمس الأحد 16 شخصاً بينهم ثلاثة جنود هنود في اشتباكات عنيفة في كشمير الهندية بحسب ما أعلنت الشرطة الهندية. وأدّت اشتباكات في جنوب س...
- أستمرار العمليات العسكرية والمعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس! المرصاد نت - متابعات تتواصل المعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس حيث أعلنت قوات المشير خليفة حفتر أن "العمليات العسكرية في المنطقة الغريبة تسير وفقاً للخطة...
- الولايات المتحدة: بايدن يقول إنه سيدعم تغيير قواعد مجلس الشيوخ لحماية حق الأقليات في التصو... المرصاد-متابعات صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء أنه "لن يصمت بعد الآن" على عرقلة المعارضة الجمهورية إقرار مشروعي قانونين أساسيين يحميان حق الأقليات في ...
- وزير خارجية مصر يطلب وساطة نتنياهو ! المرصاد نت - رآي اليوم لماذا يذهب وزير خارجية مصر إلى القدس المحتلة وليس إلى السودان ودول حوض النيل؟ وهل يمهد لاستقبال حار لنتنياهو في القاهرة؟ وما هي الأخ...
- النظام السعودي ومعاداة الحلفاء العرب: من المحيط إلى الخليج! المرصاد نت - متابعات لم تشهد السعودية عبر تاريخها تطرّفاً في العلاقة مع محيطها العربي كما هي عليه الآن ويمكننا أن نلاحظ بوضوح الحالة الغريبة التي وصلت إليها ا...