ترامب يوسّط طوكيو: هل يقصد في خفض التصعيد توجيه صفعة "لمعسكر الحرب"؟!

المرصاد نت - متابعات

مرة جديدة يطلق دونالد ترامب مواقف هادئة يلمّ بها التوتّر الذي أشعله في المنطقة. مواقف حملت تشجيعاً للإيرانيين على خوض التفاوض مقابل مطلب وحيد هو «منع الأسلحة النووية». وبينما Trumbb bolataon2019.5.28يواصل وفد إيراني عرض مبادرته على الدول الخليجية للتفاوض معها لا مع واشنطن أكد محمد جواد ظريف أن بلاده لم تسعَ يوماً إلى امتلاك هذه الأسلحة

من اليابان حيث ينهي زيارة بدأها السبت واستمرّت أربعة أيام أطلق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب جملة مواقف بدا أنه ينحو بها إلى التهدئة وإغراء إيران بالدخول في مفاوضات وذلك بعد أيام من ارتفاع منسوب التوتر الذي غذّته التصريحات والتهديدات من الجانبين بموازاة التحركات العسكرية في المنطقة. وقال ترامب في مؤتمر مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في العاصمة طوكيو: «أعتقد حقاً أن إيران ترغب في إبرام اتفاق، وأعتقد أن ذلك ينمّ عن ذكاء وأعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق».

ترامب شدد على أن إدارته لا تسعى إلى تغيير النظام قائلاً: «أمامها (إيران) فرصة لكي تصبح دولة عظيمة بالقيادة نفسها. نحن لا نتطلع إلى تغيير النظام... أريد فقط أن أوضح ذلك. نحن نتطلع إلى عدم امتلاك أسلحة نووية». لكن هذا «العرض» الجديد لم يضمّنه مطلب بحث ملفي الصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي، مع أنه كرّر في الوقت نفسه إبداء اعتقاده بجدوى العقوبات وبأن الإيرانيين «كانوا يحاربون في عدة مواقع... هم الآن ينسحبون لأنهم يعانون من مشكلات اقتصادية» من دون إيضاح تفاصيل أكثر عما يقصده.

كذلك لمّح الرئيس الأميركي إلى تشجيعه مضيفه آبي على دور الوساطة مع طهران إذ قال: «أعرف تماماً أن رئيس الوزراء مقرب جداً من القيادة في إيران وسنرى ما سيحدث». تصريحاتٌ قابلها الأخير بإبداء استعداد طوكيو بذل ما بوسعها في الملف وهو موقف يعقب معلومات تناولتها هيئة التلفزيون اليابانية قبل زيارة ترامب حول نية آبي زيارة إيران منتصف حزيران/ يونيو المقبل بعد التشاور مع الرئيس الأميركي.

بعد رسائل ترامب حول حصره طلب المفاوضات بمنع طهران من امتلاك الأسلحة النووية، سارع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي أنهى زيارة للعراق على وقع التوتر إلى التعليق، مذكّراً بأن المرشد علي خامنئي «قال منذ فترة طويلة إننا لا نسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، بإصدار فتوى تحظرها». وأضاف في تغريدة على «تويتر»: «إن الإرهاب الاقتصادي يضر الشعب الإيراني ويسبب توتراً في المنطقة».

وفي غضون ذلك كان مساعد ظريف للشؤون السياسية عباس عراقجي يواصل جولته الخليجية حيث حطّ في الكويت قادماً من مسقط، ليتوجّه بعد ذلك إلى الدوحة. والتقى عراقجي نائب رئيس الوزراء الكويتي ووزير الخارجية صباح خالد أحمد الصباح الذي تسلّم من الضيف رسالة من نظيره الإيراني تضمّنت مبادرة التهدئة التي أعلنها ظريف من بغداد وفيها أن طهران مستعدة لتوقيع معاهدة «عدم اعتداء» مع الدول الخليجية. وهي مبادرة تفيد بأن الإيرانيين يسعون إلى قطع الطريق على التصعيد الأميركي بإبداء استعدادهم للتفاوض مع الجيران الخليجيين في الوقت الذي يرفضون فيه التفاوض مع واشنطن.

عراقجي أكد من الكويت أن «الحوار مع بلدان المنطقة يشكل أحد أهم الأسس المبدئية في السياسة الخارجية الإيرانية» مبدياً استعداد بلاده «لإعداد آلية من أجل الدخول في تعامل بنّاء» مع دول الخليج. لكن عراقجي جدّد التنبيه إلى أن «الأمن مجموعة متماسكة لن تتجزأ وتشمل العناصر السياسية والاقتصادية معاً» مضيفاً: «سياسة الحظر الأميركية تخاطر بأمن المنطقة أجمع... على الدول الإقليمية أن تعي مدى خطورة هذه التهديدات». وفي المقابل شدد الصباح على «ضرورة استمرار المباحثات واللقاءات بين دول الجوار والتفاوض بهدف حلّ الأزمات».

قمم مكّة بـ«إمامة» جون بولتون!
في الوقت الذي يجول فيه الوفد الدبلوماسي الإيراني خليجياً لتقديم مبادرته للتهدئة من المنتظر أن يصل مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى الإمارات هذا الأسبوع في موعد لم يكشف عنه ولم يحدد جدول أعماله حتى الآن. زيارة تأتي قبيل انعقاد القمم الثلاث في مدينة مكّة المكرّمة التي دعت إليها الرياض لحشد المواقف ضد طهران ما يدفع إلى الاعتقاد بأن بولتون الذي يقود جناح الداعين إلى الحرب على إيران في البيت الأبيض يحمل في جعبته جرعة إضافية من التصعيد. ولم يكشف عن عنوان زيارة بولتون وهل ستشمل دولاً أخرى غير الإمارات لكن اختياره الخليج في هذا التوقيت يدعو إلى توقع أن تأخذ المواقف السعودية والإماراتية منحىً تصعيدياً في الأيام المقبلة.

هل يقصد ترامب في خفض التصعيد، توجيه صفعة "لمعسكر الحرب"؟

 في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء الياباني، يتراجع دونالد ترامب عن مسلسل التصعيد لتكليف اليابان بالوساطة مع إيران. لكنه ربما يوجّه في هذا التراجع صفعة إلى "معسكر الحرب" الخليجي ــ الاسرائيلي على مسمع من جون بولتون.

ما يبدو تحوّلا في مواقف دونالد ترامب من التصعيد إلى محاولة خفض التوتر مع إيران يسجّل دونالد ترامب تراجعاً بشكل كامل عما دعا إليه "معسكر الحرب" الخليجي ــ الاسرائيلي وفريق "باء" كما يسميه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.

يلغي ترامب بجرّة قلم البنود ال 12 التي عرضها وزير خارجيته مايك بومبيو بشأن ما أسماه "معسكر الحرب" تغيير السلوك الإيراني وما يتبع ذلك من مقولات عدم التدخل في شؤون المنطقة والتقوقع في داخل الحدود الإيرانية. ولم يكتفي بأن كل ما يطلبه هو "أنه يتطلع إلى عدم امتلاك إيران أسلحة نووية" بل أطنب إيران التي "لا يريد إلحاق الأذى بها" كما يقول وأطنب كذلك النظام الإيراني في بلد يملك إمكانيات هائلة بحسب تعبيره.

ترامب يتطلع إلى الجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات كما جلس مع كوريا الشمالية لكي يسجّل انتصاراً معنوياً وإعلامياً من دون تحقيق خطوات ملموسة مع الرئيس الكوري الذي أصبح يثق به ويراه شخصية فذّة لمجرّد قبوله الصورة المشتركة. لكن إيران لا تمنح ترامب هذا الامتياز قبل "تغيير سلوكه والعودة إلى الاتفاقيات الدولية" وفق تعليق وزارة الخارجية الايرانية على مواقف ترامب في طوكيو.

لا يقطع ترامب الأمل والترجّي في طلب الوساطة مع إيران التي يعمل عليها حتى الآن العراق وعُمان وسويسرا وربما أيضاً العديد من الدول الأخرى التي لم تخرج محاولاتها إلى العلن. وفي هذا السياق يطلب ترامب الوساطة من رئيس الوزراء الياباني الذي "نعلم أنه مقرّب جداً من القيادة الإيرانية" بحسب قوله. وهو الذي أجرى "مباحثات بنّاءة" الأسبوع الماضي مع الوزير محمد جواد ظريف بشأن العلاقات الثنائية والتبادل الاقتصادي. وعلى هذا الأساس من المفترض أن يزور "سينزو آبي" طهران في القريب المنظور.

تراجع ترامب في هذه المحاولات والمواقف من عنق الزجاجة، ليس فقط بهدف تحقيق انتصار إعلامي ومعنوي بل الأهم من ذلك أنه لا يريد الحرب كما أوضح في طوكيو بشأن ما سماه "الفظاعات". وخصوصاً أن التهويل وقرع طبول الحرب لم يؤثر على زعزعة إيران عن الثوابت والحقوق على الرغم من العقوبات الاقتصادية. فإيران لا تريد الحرب كما يوضّح المتحدّث باسم حرس الثورة الجنرال رمضان شريف لكنها لا تخشاها إذا فّرضت عليها. وفي هذا الشأن أشار ظريف مراراً إلى "معسكر الحرب" باسم الفريق "باء" بحسب الحرف الأول من أسماء ابن سلمان وابن زايد ونتانياهو وحذّر من انجرار ترامب إلى هذا الفريق والثلاثي الآخر في الإدارة الاميركية بولتون ــ بومبيو ــ بانيس.

فريق " معسكر الحرب" الاسرائيلي ــ الخليجي يدفع ترامب إلى خوض الحرب ضد إيران، لكن ترامب الذي سار في التصعيد على شفا هاوية الحرب يحقق أرباحه في ابتزاز السعودية والامارات في شراء الأسلحة واستنفاد البلدين، ولا يمانع في زيادة هذه الموارد إذا كانت السعودية والامارات ترغبان بخوض الحرب ضد إيران. لكنه لا يحبّذ خوض مغامرة شديدة الخطورة على مستقبله السياسي وعلى أميركا لكي يحافظ على ماتسميه السعودية "التحالف الاستراتيجي".

طمأن ترامب السعودية والامارات واسرائيل بما يستطيع من الضغوط على إيران في التصعيد وفي أرسال 1500 جندي وعلق نتيجة هذا التصعيد في عنق الزجاجة. وكان عليه الخيار بين عتبة الحرب وخفض التصعيد في توجيه صفعة إلى "معسكر الحرب" في طوكيو على مسمع ومرأى جون بولتون الذي لم ينبس ببنت شفة.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية