المرصاد نت - متابعات
لم تتوقّف التظاهرات في العراق يوماً منذ عام 2003 بعد الغزو والاحتلال. تتنوّع هذه التظاهرات وتتوزّع زمنياً ومكانياً في المحافظات والمدن وحتى القرى والمناطق النائية. أو بقول آخر إن التظاهرات شملت العراق كلّه وباشتراك كل القطاعات والمهن والأجيال العمرية. كشفت التظاهرات الاحتجاجية عموماً عن حالة غياب السلطة وهيبة الدولة وعن شعارات مخادعة عن الديمقراطية والحريات التي جلبها الغزو والاحتلال للعراق.
هذه التظاهرات رفعت شعارات مطلبية حرمت من مضامينها وأصرّت عليها الجماهير، مطالب لم تتحقق لها ولم تتوفر فرصها وظلت كل هذه الفترة الزمنية غير القليلة دون تنفيذ أو تطبيق. كما أن الشعارات المطلبية التي تميّزت بها التظاهرات في العراق قد تصاعدت أو تباينت بين موقع وآخر ولكنها ظلت في حدود المطالب المشروعة رغم تضحيات كبيرة خسرتها فيها أو قدمتها من أجل تحقيقها. هذا يعني أن السلطات الأمنية واجهتها وأطلقت الرصاص الحي عليها مما سبّب خسائر بشرية فيها. ومعروف أن سقوط شهداء أو دماء في أية تظاهرات يعزز أو يشدّ من عزيمتها واستمرارها. وهي حالة أصبحت قاعدة اجتماعية أو قانوناً متكرراً يراكم سير التظاهرات وتصاعدها أو تموجاتها المستمرة.
تبلورت أغلب الشعارات والمطالب طيلة تلك الفترة الزمنية على توفير الخدمات العامة والأعمال واحترام حقوق الإنسان والقانون. غياب الخدمات الأساسية، كانعدام الكهرباء وشحّ المياه وضعف مجال الصحة وسوء المعاملة وخراب التعليم والمدارس والتسرّب وغيرها من المشاكل المتفاقمة في هذه الخدمات الأساسية دفعت الشعب إلى التظاهر والاحتجاج وتصاعد الغضب الشعبي والاحتقان المدني وكسر الصمت.
وهذا ما تكرر في أغلب التظاهرات في عموم العراق ومناطقه سواء في جنوبه أو شماله أو وسطه بمعنى أن سوء الإدارة والتخطيط في أداء هذه الخدمات الأساسية عمّت العراق كله، وبيّنت بتراكمها وتناقضات التعامل معها الخلل الصارخ في الأداء الرسمي والعمل الوظيفي وقدرات السلطات المحلية والمركزية.
بلا شكّ لعب الفساد الإداري والمالي دوره البارز في تأجيج حالة التظاهر والغضب، وعمّ بأساليبه المختلفة كل مؤسسات ومكاتب الخدمات الأساسية مما يضطر المواطن إلى الصراخ بصوت عالٍ في سبيل إيقافه وردع الفاسدين. المضحك في العراق أن أغلب الفاسدين أو الداعمين للفساد أو المروّجين لانتشاره هم في مواقع القرار السياسي وهم الذين يُعتبرون واقعياً رأس الفساد بكل أشكاله، يزعمون في تصريحات إعلامية محاربته أو الدعوة إلى مكافحته والأغرب فيه هو التغاضي أو تغطية العناصر القائدة للفساد والمناورة في اتّساعه والسماح لأعمال أخطبوطه ومافياته وكل أصنافه.
لم يعد العراق في أول قائمة الفساد في التقارير العالمية للمنظمات الدولية المتابعة أو المحققة فيه بل أصبح مضرب المثل في نوعه وحجمه وطرقه وممارساته. دفع هذا الانتشار للفساد في العراق جماهير الشعب إلى التظاهر والاحتجاج والغضب ولأنه مستمرّ ومتسع فالتظاهرات مقابله كذلك في عموم العراق وعمر الغزو والاحتلال وما بعدهما.
لم يكتفِ الفساد الإداري بالرشوة والمحسوبية والتخلف في تسيير أمور الناس اليومية والوظيفية المعروفة بل زاد في التعيين والتوظيف لأفراد لا علاقة لهم في الموقع الذي يحتلّونه أو من الفاشلين في إدارته علمياً ووظيفياً، وتمّ تعيينهم في لعب المحاصصة والتقسيم التحازبي والعائلي وغيرها من الأمور التي ألحقت بالأجهزة الإدارية أضراراً غير قليلة وأساءت إلى مسمّيات الدوائر أو المنظمات أو الأجهزة أو المؤسسات. ولعلّ بعض برامج النقل المباشر في عدد من القنوات الفضائية المحلية مع المواطنين في الشارع مباشرة تعطي بعض صور عن الواقع المزري فيها ويتطلّب من السلطات المسؤولة متابعتها والردّ على الاستفسارات والطلبات والمواضيع التي يثيرها المواطنون مباشرة بالصوت والصورة والوثيقة واللوعة الإنسانية المحرجة والمخجلة لأيّ إنسان طبيعي.
كثير من المعاملات التي يحتاج لها المواطن تُكتب باليد رغم كل التطورات التقنية في آلات الكتابة والنشر والإنترنت، فيقع فيها الكثير من الأخطاء في الكتابة وإذا أراد التصحيح فيُجبر على العودة إلى المربّع الأول في الطلب والمراجعات والسجلات والمساومات والأبشع فيها المطالبة بموافقة الوزير المختص لتلك الظاهرة وتتكرر هذه الإجراءات البيروقراطية والروتينية وتهدر وقت المواطن وماله وصبره ورؤيته لبلده الذي يتراجع حتى عمّا كان عليه قبل سنوات. إضافة إلى جهل أو فقدان معرفة ما يتعلق بالعمل وخدمة المواطن. موظف لا يكتب إلّا بخط يده في طلبات مطبوعة ومخططة وآخر لا يعرف قوانين الهجرة واتفاقية جنيف لعام 1951 للاجئين السياسيين ولا متعلقاتها وتعديلاتها وهو من الذين يقررون قبول معاملة أو ملف الهجرة أو رفضها لمن عانى بقدر عمره الزمني. فضلاً عن الفساد الآخر المالي والنهب للثروات والخيرات والتبذير والهدر والضياع في أصول الصرف أو التخصيص مع ما يُنشر من أساليب لا يمكن أن تكون أو تحصل إلا في العراق الجديد..
هذا الفساد المعلَن والمخفي ومن باب الهزل يتحدث عنه نواب في برلمان الشعب في تصريحات وبرامج تلفزيونية علناً، وعن مشاركتهم فيه دون خوف أو خشية أو وجل من ضمير أو رقيب أو حسيب. رغم وجود منظمات حكومية تحمل أسماء الشفافية والنزاهة والمراقبة وغيرها من التسميات فقط.
تضاف بالتأكيد إلى عوامل استمرار التظاهرات في العراق النسب العالية للعاطلين عن العمل بعد تخرجهم من المعاهد والكليات وغيرها وهؤلاء بعمر الشباب المتطلّع للحياة والمستقبل، ويعتبر نفسه ثروة بشرية للوطن وأدى ما عليه وينتظر أملاً له في العمل والبناء. كما أن غياب روح التجديد والتغيير في البنى والرؤى المستقبلية للبلاد يعرقل عملية التحديث والتطوير وحتى البناء والتنمية البشرية والعمران. ما يخلق أجواء وبيئات جاهزة للاحتجاج والغضب وحتى لأبعد من ذلك. وهو ما يحصل فعلياً في العراق الجديد، بعد الاحتلال والتآمر الأميركي عليه.
لذا نرى كل يوم تظاهرة أمام مباني الوزارات أو الدوائر المختصة والمتعلقة بالعمل. وتواجه أغلب الوزارات مطالب الشباب بالوعود والتحايل عليها، وكذلك المحافظات والمؤسسات المحلية الأخرى. وليس آخر التظاهرات للخريجين من مختلف الاختصاصات والمهن بل وشملت المعلمين، الذين لبوا نداء نقابتهم إلى الإضراب ليومين عن التعليم وتعطيل الدراسة والتشديد على تلبية مطالبهم ببرمجة التوظيف وتحسين سلم الرواتب والاهتمام بظروف المباني والتخطيط لزيادة أعدادها وتطوير المناهج الدراسية واحترام الحقوق المشروعة.
كاظم الموسوي - كاتب عراقي
المزيد في هذا القسم:
- اسرائيل تستدعي سفيرها في السويد بعد الاعتراف بدولة فلسطين استدعت اسرائيل سفيرها في ستوكهولم للتشاور، وذلك اثر اعتراف السويد بدولة فلسطين. واعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ايمانويل نحشون ان "هذا الام...
- بوتين يجدد استعداد موسكو التعاون الدولي الوثيق في محاربة “الإرهاب” المرصاد نت - متابعات جدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد موسكو للتعاون الدولي الوثيق بمختلف الصيغ في مجال محاربة ما يسمى الإرهاب.جاء ذلك في رسالة وجهه...
- داعش يتنبى هجوم الشانزيليزيه في باريس ويعلن اسم المنفذ المرصاد نت - متابعات أعلن تنظيم داعش الإرهابي الجمعة مسؤوليته عن الهجوم الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس مساء أمس والذي أدى لمقتل شرطي على جادة الشانزيليزيه في...
- البحرين وخيوط المؤامرة الصهيونية المرصاد نت - متابعات يسعى النظام السعودي من خلال الضغط على آل خليفة في البحرين لخلق أجواء أمنية ضاغطة على المواطن البحريني وبهذه الطريقة يحاول آل سعود إرسا...
- كيف يستهدف ترامب الصين في انسحابه من معاهدة مع موسكو؟ المرصاد نت - متابعات إعلان واشنطن عن الانسحاب من معاهدة "القوات النووية متوسطة المدى" المبرمة مع الاتحاد السوفياتي عام 1987 اتساقاً مع وعود ترامب الانتخابية و...
- مجلة "أتلانتيك"بن سلمان ينوي عزل وزير الخارجية الجبير وتعيين شقيقه المرصاد نت - متابعات كشف مجلة "أتلانتيك" الأميركية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ينوي عزل وزير الخارجية السعودي الحالي عادل الجبير بعدما تمكن من ا...
- مقتل 6 في باكستان إثر زلزال قوي ضرب جنوب آسيا متابعات : قتل ستة أشخاص في أنحاء شمال باكستان إثر زلزال قوي ضرب مدن كبرى في جنوب آسيا مطلع الأسبوع بحسب ما أفادت به السلطات اليوم الإثنين. وأفزع زلزال قوت...
- مسرح الحرب العالمية الثالثة على اراضي الشرق الاوسط ؟ المرصاد نت - متابعات ما ان انهار الاتفاق الثنائي الذي عقد بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا للتوصل الى حل للصراع في سوريا حتى بدأ الكلام عن إمكان نشوب حرب...
- تفجيران في المانيا يستهدفان مسجد ومركز مؤتمرات المرصاد نت - متابعات استهدف تفجيرين يوم امس مسجد ومركز مؤتمرات في مدينة دريسدن شرق ألمانيا دون وقوع ضحايا. وأوضح مصدر في الشرطة الالمانية أن عبوة ناسفة انف...
- روحانی یعرب عن قلقه من احداث الموصل ویؤکد: سنكافح الارهاب بالمنطقة والعالم صرح رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية حسن روحاني في مهرجان الامل والانتظار بان اليوم وغدا هو احتفال الامل لنا جميعا، احتفال لانتظار صبح الامل وانتهاء ليل الغيب...