تراجع إلى الخلف للوصول إلى المستقبل.. سيرة الهزيمة العربية لما تكتمل فصولاً!

المرصاد نت - متابعات

يتقدم التاريخ بالأمم ودولها. ولكنه مع العرب يعود بهم القهقري.. نحو جاهليتهم الأولى!Arab Peopals2019.2.15

فبعد قرن على نهاية الحرب العالمية الأولى التي اسقطت الامبراطورية العثمانية ومعها حليفها القوي المانيا تقاسم المنتصرين: بريطانيا وفرنسا والمشروع الاميركي الوافد من باب التحالف معهما هذه المنطقة العربية "المشرق" تحديدا. وهكذا فرضت فرنسا انتدابها على لبنان (مع تعديلات جوهرية على خريطة "المتصرفية" وذلك بضم "الاقضية الاربعة" أي بيروت والشمال والبقاع والجنوب إلى جبل لبنان لإقامة الدولة اللبنانية).. ومعه سوريا.

ولقد قاوم السوريون مشروع تقطيع بلادهم إلى "أربع دول" وتمكنوا ـ بالثورة ـ من الحفاظ على كيانهم السياسي متجرعين مرارة التقسيم واغتيال مشروع الوحدة العربية اقله في المشرق.

أما العراق فقد نجح البريطانيون في إقامة مملكة هاشمية اعطي عرشها للملك فيصل الاول ابن الشريف حسين (مطلق الرصاصة الأولى ايذانا بقيام الثورة العربية من اجل الوحدة والتحرير، تحت رعاية بريطانيا..).

وفي هذا التقاسم فرضت بريطانيا انتدابها على فلسطين ثم اقتطعت من سوريا "امارة" الامير عبدالله ابن الشريف حسين باسم شرقي الاردن… استباقاً للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التي سينال منها الامير عبدالله ما يحول "امارته" الى مملكة بعاصمتها القدس الشريف.. ولم يتأخر العقاب حيث اغتيل الملك عبدالله عند عتبات المسجد الاقصى ليرث عرشه نجله الامير طلال الذي اتهم بالجنون ليولى الحفيد الحسين بن طلال وتستمر المملكة حتى العام 1967 حين سوف تسقطها إسرائيل لتضم القدس إلى دولتها بعدما كانت المملكة الهاشمية في العراق قد اسقطت بثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم بالشراكة مع العقيد عبد السلام عارف وهي شراكة سيسقطها الشيوعيون بتحالفهم الشعبوي مع قاسم حتى العام 1961.. حين اغتيل قاسم في 9 شباط عام 1963 وانفرد عارف بحكم دولة متصدعة … وتوالت الانقلابات حتى استقر الحكم لصدام حسين بتغطية من خاله احمد حسن البكر حتى الاحتلال الاميركي في العام 2003 بعد سلسلة مغامرات قاتلة بدأت بالحرب على ايران وانتهت بغزو الكويت.. فضلاً عن المذابح ضد الاكراد.

مع نهاية ايلول من العام 1970 رحل جمال عبد الناصر مباشرة بعد نجاحه في وقف المذبحة ضد المقاومة الفلسطينية في الاردن.. وكان أن انتقلت هذه المقاومة ـ بأثقالها السياسية والعسكرية ـ إلى لبنان حيث لن تتأخر تداعيات وجودها الثقيل في التحضير لحرب اهلية عربية ـ دولية في الوطن الصغير المبتلى بالسرطان الطائفي.

ولقد عجل في هذه التداعيات خروج الرئيس المصري انور السادات على الاجماع العربي وتفرده بزيارة الكيان الإسرائيلي مصالحاً وتحدثه امام الكنيست بتاريخ 19 تشرين الثاني عام 1977 ثم اندفاعه إلى عقد معاهدة الصلح مع إسرائيل برعاية أميركية مباشرة في كامب ديفيد وذلك في 17 ايلول عام 1978.

ولسوف "يعاقب" الشعب المصري السادات باغتياله بعدما كان النظام العربي مصر بنقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس لفترة انتهت مع اغتيال السادات في 6 تشرين الاول من العام 1981 فأعيدت إلى القاهرة وكأن المعاهدة والتزامات الصلح قد اغتيلت معه.. وهذا غير صحيح بطبيعة الحال.

كانت تلك بداية عصر جديد: فسرعان ما التحق الملك حسين بمسار السادات فعقد معادة صلح مع العدو الإسرائيلي في وادي عربه.. ما ضيق الخناق على منظمة التحرير فأقدم محمود عباس على عقد معاهدة مع الإسرائيليين في اوسلو تحت الرعاية الاميركية استولدت "السلطة الفلسطينية" التي سيسمح لها العدو الإسرائيلي بالعودة إلى الداخل الفلسطيني بغير سلاح، لتكون اسيرته.. وهكذا دخل ياسر عرفات وطوابير من المقاتلين السابقين الارض المحتلة ليشكلوا "شرطة فلسطين" التي تقوم فعليا بدور حارس للاحتلال من "الارهاب الوطني".

ولم يمر وقت طويل قبل تفجير سوريا وتعطيل الحياة السياسية في لبنان وترك موقع الرئاسة الأولى شاغراً في حين تم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسادت الفوضى بينما قوات الاحتلال الاميركي تهيء لفتنة دائمة في العراق واقطار الخليج تتسابق للاعتراف بإسرائيل وقد حققت الريادة قطر بينما فتحت عواصم الامارات والبحرين وسلطنة عمان نوافذ خلفية للعلاقات مع العدو القومي في الحاضر والمستقبل.

أين العرب اليوم من احلام وحدتهم او توحدهم في "دولة قادرة تصون ولا تبدد تحر ولا تهدد" الخ؟!

إن الوطن العربي مزق بعضه يتآمر على البعض الآخر بل لقد قاتل بعض العرب العراق تحت الراية الاميركية بذريعة تخليصه من الطاغية صدام حسين اثر احتلاله الكويت في اوائل التسعينات.. ثم اتم الاميركيون احتلال ارض الرافدين في العام 2003..

أما سوريا فكان عليها أن تعيش محاصرة متوترة، لسنوات قبل ان تتفجر بالضغوط الدولية والعربية وقصور النظام عن معالجة امراضه ليمتد هذا التفجر الذي سرعان ما صار دولياً لا سيما بعدما ساهمت تركيا ودول عربية بينها قطر والسعودية في توسيع دائرة النار معززة بتوظيف الفتنة الطائفية… وهكذا فتح النظام ابواب سوريا امام "الاصدقاء الروس" الذين جاءوا لنجدته بعدما كان سبقهم الايرانيون ومعهم حزب الله في لبنان..

إن الوطن العربي الآن مزق من دول ضعيفة ومسترهنة..

لم يكن ينقص الا أن تتورط دولة الإمارات التي بلا جيش مع السعودية في الحرب على اليمن حيث يدمر العمران وسائر اساب الحياة..

..والا أن تنفتح ابواب الدول العربية البعيدة سلطنة عمان مثلاً ومن بعدها تشاد امام رئيس الحكومة الإسرائيلية بينما يؤكد هذا المحتل أن عواصم عربية أخرى ابدت استعدادها لاستقباله..

وأن يرتكب وزير خارجية لبنان "سقطة" بالحديث عن إسرائيل بلهجة محايدة..

والتقدم إلى الخلف مستمر..

ربما لان النظام العربي يعتبر أن المستقبل خلفنا لا أمامنا!

طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني 2017م .

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية