المرصاد نت - متابعات
مثّلت احتفالات الـ 11 من تشرين الثاني/ نوفمبر فرصة لإحياء النقاش حول تشكيل جيش أوروبي على خلفية الجدل بين الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يدافع بحماسة عن هذا الخيار ونظيره الأميركي، دونالد ترامب الذي انتقد، منذ بداية عهدته الموقف الفرنسي.
في سياق موسوم بالاضطراب الجيو ــــ سياسي، وعدم القدرة على التنبؤ بالتهديدات وصعود مسؤولين إلى السلطة من طراز ترامب يحملون منطقاً عدوانياً، تُصعّد بعض التيارات الأوروبية نضالها في سبيل تطوير ثقافة استراتيجية وبناء قوة عسكرية أوروبية صرفة. ويدفع المعلقون قدماً فكرة الانتقال إلى «استراتيجية استقلال» عن «حلف شمالي الأطلسي» (الناتو) التي تم تقويضها في الأعوام الأخيرة لمصلحة فكرة «التأثير من داخل المنظمة» في سبيل تكريس دعامتها الأوروبية.
اليوم تتنافس فكرتان داخل هذا النقاش. تعتبر الأولى أن سياسة دونالد ترامب تُلقي ظلالاً من الشك على الضمان الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للأوروبيين وأن أفضل إجابة عن ذلك هي تشديد الضغوط للعودة إلى التوجهات المتعددة الأطراف، التي التزم بها باراك أوباما. بذلك يبقى هذا الخيار متردداً بخصوص إنشاء منظومة دفاع مستقلة عن «الناتو». وتستند المقاربة الثانية الى ريبة متصاعدة تجاه الولايات المتحدة فمنذ حرب يوغوسلافيا، تأكد ضعف الأوروبيين وتبعيتهم القوية للقوات الأميركية. في واقع الأمر، عملت الولايات المتحدة منذ التسعينيات على إبقاء الأوروبيين في حالة خضوع عبر التزامات عسكرية وتقنية مقيِّدة، في حين يدفع سباق التسليح المجنون والانقطاع المتنامي بين المصالح الأوروبية والأميركية إلى تقوية التيار المنادي بتحقيق استقلالية استراتيجية للاتحاد وبناء منظومة دفاع مشتركة تمنح أوروبا جميع ملامح القوة.
يدفع هذا التصوّر النابع من رفض اعتبار الاتحاد الأوروبي منظمة تابعة لـ«الناتو» في اتجاه فرضية قيام تعاون نووي بين ألمانيا وفرنسا. ويبدو تشارك قدرات الردع النووية النقطة المفتاحية في تصور منظومة دفاع أوروبية مستقلة وخاصة أن الحضور المكثف للأسلحة النووية الأميركية على الأراضي الأوروبية يمثل ثقلاً مالياً مهماً لأوروبا باسم ضرورة «تشارك العبء الأمني»، وكذلك إحدى أهم دعائم الهيمنة الأميركية.
يعتبر أحمد هني الاقتصادي وصاحب المؤلف البارز «رأسمالية الريع: من مجتمع العمل الصناعي إلى مجتمع أصحاب الريع» (دار لارماتان، شباط/ فبراير 2012) أن الهيمنة الأميركية على المعسكر الغربي (التي يجب البحث عن أسسها في الارتباط التاريخي بين التفوق العسكري وعلوية الدولار، اللذين يشكلان محور النظام العالمي منذ اتفاقيات بريتون وودز) لا يمكن إلا أن تستمر. بالنسبة إليه تمثل حماية «الناتو» اليوم شرط تأمين الاستثمارات وخاصة الأميركية وضمان استقرار نسبي للعملة الوطنية، فـ«اليورو مثلاً لا يرتكز على أي قدرة عسكرية أوروبية تُجبر البلدان الأخرى على قبوله كعملة دفع. ما يسمح بذلك هو إنتماء الدول الأوروبية للناتو».
ويرى هني أن قضية قناة السويس عام 1956 تظهر أن الأوروبيين سيتصرفون على نحو مستقل، إن كان بمقدورهم فعل ذلك، لكنهم «لا يستطيعون ضمان عملتهم أو أمن تداولها على امتداد العالم. مثلاً، يتطلب إجبار بلد على دفع رسوم على البرمجيات، على غرار ويندوز وما شابهه، ومن ثم تحصيل ضرائب وفوائد تُعاد إلى الوطن، وجود قوة قادرة على معاقبة المخالفين. لا يمكن إلا للولايات المتحدة فعل ذلك. ويستوجب الوصول إلى هذه المرحلة الكثير من المال، في حين أن للدول الأوروبية نموذجاً اجتماعياً أكثر عدلاً من نموذج الولايات المتحدة. ولترفيع نفقاتها الدفاعية، يجب التخلي عن ذلك النموذج الاجتماعي، وتشديد التفاوتات بين المواطنين، ما سينتج معارضات سياسية قوية.وتظهر حركة السترات الصفر في فرنسا حدود تشديد الضرائب والتفاوتات».
وفي حين تتشارك ألمانيا وفرنسا اليوم إرادة سياسية للدفاع عن تصور للمصالح الأوروبية، يصطدم أحياناً مع الإدارة الأميركية لبعض الملفات، لا يرى هني أنه يوجد تناقض محوري حول التوجهات الاستراتيجية الكبرى للمعسكر الغربي، ويعتبر أن الرغبة الأوروبية في الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، رغم الانسحاب الأميركي الأحادي، أو قرار برلين الانخراط في بناء أنبوب غاز «نور ستريم 2» الذي يربط روسيا بألمانيا في بحر البلطيق، ليست إلا «تكتيكات اقتصادية محضة»، لا تؤثر في ارتباط أوروبا بـ«الناتو».
يعتبر أحمد هني أن الأساس الاستراتيجي يبقى الحفاظ على العالم الغربي كما هو، بنمط حياته الذي ترتبط به جميع النخب الأوروبية والأميركية، إذ أكد الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، في قمّة ريو دي جانيرو عام 1992، أن نمط الحياة هذا «غير قابل للتفاوض». وبمجرد تهديده، يتشكل تحالف مقدس للدفاع عنه، كما تظهر الإسلاموفوبيا بشكل واضح، وكذلك مسألة المهاجرين. المسألة ليست مرتبطة بالدين قدر ارتباطها باختلاف نمط الحياة. ويخلص هني إلى أن «الصين وروسيا يُنظر إليهما كمنافسَين إقتصاديَّين، لكن ليس كتهديد لنمط الحياة الغربي فضلاً عن أن كليهما يطمحان إلى التغرب.
على عكس ذلك تسود الريبة تجاه إيران مثلاً، التي تؤكد رفضها التغريب على غرار ما فعلته كوبا أو كوريا الشمالية. لكن بمجرد إظهار النظامين الكوبي والكوري الشمالي سياسات داخلية تتبنى تدريجياً نمط الحياة الغربي، بدأت تظهر توافقات معهما».
المزيد في هذا القسم:
- فلسطين : مواجهة صاروخية «قصيرة»: المقاومة تستمر بالرد المرصاد نت - متابعات لم تصمد التهدئة التي تم التوصل إليها شفهياً قبل أيام كثيراً إذ تجددت المواجهة الصاروخية بين المقاومة والعدو أمس فيما يحاول الطرفان تثبيت ...
- الأزمة الخليجية .. الوساطات تراوح مكانها المرصاد نت - متابعات على مشارف الأسبوع الثاني من الأزمة الخليجية المتواصلة لا يبدو حتى اللحظة أنّ طرفيّ النزاع مستعدان للتنازل. الدوحة «المستعدة للحو...
- حظوظ طرح أرامكو تتضاءل: بداية النكسة لـ«رؤية 2030» المرصاد نت - متابعات تبدو «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد السعودي لتحديث اقتصاد بلاده مُعرّضة لمخاطر كبيرة قد تجعلها على طريق نكسة فعلية من شأنه...
- الرياض وبيروت: ضمور «الحقبة السعودية» المرصاد نت - فراس الشوفي ما قبل حفلة الجنون السعودية الأخيرة في لبنان كان أفضل بكثير ممّا بعد ما بات يعرف بـ«أزمة الحريري» لجهة قوّة التأثير ...
- ترامب في لندن غداً والاتهامات تطاول جونسون! المرصاد نت - متابعات تُلقي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للندن غداً بظلالها على الانتخابات البريطانية التي ستُجرى في 12 كانون الأول / ديسمبر. يتوجّه هذا ...
- ملك المغرب يقيل عدداً من الوزراء على خلفية احتجاجات الحسيمة المرصاد نت - متابعات أقال الملك المغربي محمد السادس ثلاثة وزراء بسبب التأخر في برنامج التنمية بمدينة الحسيمة التي شهدت حركة احتجاجات في الأشهر الأخيرة وهم محم...
- تل أبيب تعترف : السيد حسن نصر الله أوّل من انتبه إلى التحالف الآخذ بالتشكّل بين إسرائيل و... المرصاد نت - متابعات أقرّت مصادر إسرائيليّة رفيعة المُستوى أنّ سيّد المقاومة السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله قد انتبه إلى الشرق الأوسط الجديد الآخذ با...
- أمير دولة قطر في افتتاح كأس العالم: المونديال مهرجان للتواصل الحضاري وبذلنا جهدا مضنيا لتن... المرصاد-متابعات قال أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إن بلاده بذلت مجهودا مضنيا في سبيل تنظيم واحدة من أنجح البطولات في تاريخ كأس العالم، وأعرب عن ...
- الشرطة البريطانية تلقي القبض على داعية وهابي اغتصب طفلاً المرصاد نت - متابعات أدانت محكمة بريطانية إمام أحد المساجد التي تديرها الفرقة الوهابية باموال آل سعود بتهمة اغتصاب طفل في حمام المسجد بالسجن لمدة 6 سنوات. ...
- بني سعود من التشدد الوهابي الى انحطاط "ماريا كاري" المرصاد نت - متابعات هنالك سياسة تتبعها غالبية الحكومات التي تعاني من مشاكل، تتمثل في عملية الهاء الناس والابعاد عن الساحة وصولا الى التحكم بالجماهير الف...