المرصاد نت - متابعات
لم يعد «لسان الضاد» يجمع «بلاد العرب» كما رآها فخري البارودي. في الخليج «المقاطعة» بين «الإخوة» تشمل كل شيء إلا «أبناء العمومة». إنه موسم «المصافحة» بالجملة. تطفو العلاقات مع إسرائيل إلى السطح تتصعّد من تحت حيناً ويتوسّع الظاهر منها في أحيان أخرى. «من فوق» و«من تحت» يسير التطبيع في جزيرة العرب بالاتجاهين معاً. لم تعد مهمّة أسئلة كسؤال «من أين نبدأ؟». فسواء شرعنا في العلاقات مع إسرائيل في السر وأمنياً ومن ثم اجتماعياً وتدرجنا بالصعود... النتيجة لا فرق ولا رادع يعرقل.
تتلهى المحاور العربية المتناحرة في معاركها البينية حتى إن التطبيع نفسه يصبح مذمّة يتقاذفها الإعلام الخليجي رغم أنه داء مشترك يكاد لا ينجو أحد من الأنظمة الخليجية من ارتكابه. مشهدان على ضفتي «دول المقاطعة» الخليجية الإمارات وقطر في الأول تحط في أبو ظبي وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف لتشجيع منتخبها للجودو وفي الثاني تستضيف الدوحة فريق جمباز إسرائيلياً.
لا تتوقف أسباب المهزلة ــــ المأساة هنا، فتُؤخذ مواد المشهد الأول في الإعلام القطري كـ«مكمش» على الغريمة أبو ظبي. وتتبدى صورة المشهد الثاني في قنوات المحور السعودي ـــ الإماراتي كإضافة جديدة إلى «ملف قطر الأسود». هذا في الإعلام. أما في السياسة فالأمر يختلف حيث يحتدم التنافس بين المحورين في الولايات المتحدة على استمالة اللوبيات الصهيونية وشراء دعمها تقرباً من صناع القرار الأميركي وتوسيعاً لنفوذ كل طرف بوجه الآخر.
في المحصلة تتقلص الفوارق ليكون التطبيع الرياضي في الإمارات مع فريق جودو إسرائيلي أما في قطر فالأمر مختلف: فريق جمباز إسرائيلي هنا ! وبين الجودو والجمباز يحل «تويتر» لإطلاق بعض الأوسمة التي تعبّر عن الامتعاض الشعبي من تطبيع الحكومات بموازاة تقاذف مغرّدين «موالين» للتهم مَن تطبيعه أوقح من الآخر!
الجديد اليوم أن الدول الخليجية كسرت رتابة خصوماتها لتشرع في التنافس على التطبيع مع تل أبيب. وأمس سجلت الإمارات «تقدماً» ملحوظاً على خصمها القطري إذ «نجحت» في استضافة الوزيرة ريغيف. وسبق الأخيرة إلى الأحضان الإماراتية قبل يومين منتخب إسرائيل لرياضة الجودو للمشاركة في بطولة «غراند سلام» التي من المفترض أن تنطلق اليوم في أبو ظبي.
المشهد بحسب رئيس اتحاد رياضة الجودو في إسرائيل موشي بونتي لا يمكن فيه هذه المرة عدم الخلط بين السياسة والرياضة فـ«مما لا شك فيه أننا نشعر هنا بشيء خاص ومثير؛ أن نشارك في أبو ظبي أمام الجميع ونحن نحمل رموزنا الإسرائيلية للمرة الأولى». حضور «الرموز الإسرائيلية» تسبب في «سعادة» لدى ريغيف التي أوضحت أن «الأمر يتعلق بقرار تاريخي له آثار بعيدة المدى ويشكل انطلاقة». هذه «الانطلاقة» نوهت الوزيرة بأنها أتت بعد جهود قادها بونتي مع رئيس اتحاد الجودو العالمي ماريوس فايزر من أجل «السماح للرياضيين الإسرائيليين بالمشاركة في المباراة تحت العلم الإسرائيلي والنشيد الوطني الإسرائيلي».
علم «نجمة داود» و«الهاتيكفا» (النشيد الإسرائيلي) حضرا أيضاً مع بقية «الرموز» في مطار الدوحة لدى وصول وفد إسرائيلي للمشاركة في بطولة العالم للجمباز الفني بينهم لاعب مدرج كمجند في الجيش الإسرائيلي. لا شك أن وزيرة الرياضة هي الأكثر نشاطاً وإنجازاً من أسلافها وتحقق لتل أبيب كل هذه «الانتصارات».
تل أبيب والرياض إلى مزيد من التقارب والتنسيق
بنظرة خاطفة إلى مواقف الرياض وتل أبيب يلاحظ على نحو واضح تقاطع أولوياتهما إلى حد التطابق، إذ إن كلا الطرفين يحتل رأس جدول اهتماماتهما إيران ومحور المقاومة ويسخّران لمواجهتهما إمكاناتهما العسكرية والسياسية والاستخبارية والمالية والإعلامية. وفي السياق نفسه نجد أن مفردات الخطاب الدعائي الرسمي والإعلامي تكاد تكون هي نفسها سواء لجهة المفردات المذهبية وتصنيف القوى الإقليمية.
في ظل التدرج الذي يعتمده النظام السعودي في تظهير علاقته بالكيان الإسرائيلي وتعزيزها، لم يكن مفاجئاً اللقاء العلني الأخير بين رئيس أركان جيش العدو غادي أيزنكوت مع نظيره السعودي فياض الرويلي على هامش «مؤتمر قادة الجيوش» المنعقد في الولايات المتحدة. لكن ما ميّزه أنه كان على مستوى رؤساء الأركان وعلنياً ويأتي في سياق سياسي إقليمي تبلورت فيه المعسكرات. وبحسب التلفزيون الرسمي الإسرائيلي قناة «كان» فإن القائدين خلصا إلى رؤية متطابقة «لتهديدات إيران» ولرؤية مشتركة حول «كيف يمكن التعامل مع التهديد الإيراني ومواجهته».
أما في ما يتعلق بمستقبل العلاقات العلنية بين الرياض وتل أبيب فإنه يتصل ببُعدين السياق الإقليمي وشخصية محمد بن سلمان. بات جلياً بعد فشل رهانات تل أبيب والرياض منذ الصراع الذي احتدم منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 مروراً بالأحداث السورية وصولاً إلى العدوان على اليمن، أنهما باتتا أحوج إلى مزيد من التقارب والتنسيق والدعم المتبادل. والارتقاء إلى التحالف الاستراتيجي المعلن الذي أثبتت التطورات أنه تحرّك حتى الآن تصاعدياً وبشكل متدرج لكن ساهم التعثر السياسي المتصل بعملية التسوية على المسار الفلسطيني («صفقة القرن») في كبح اندفاعته حتى حينه.
وليس خافياً أن كل المسار الذي شهده تطور العلاقات الإسرائيلية ــــ السعودية، تلقى دفعاً غير مسبوق نتيجة تولي محمد بن سلمان ولاية العهد. لكن من غير المتوقع أن تسهب إسرائيل الرسمية في شرح الدور المباشر الذي يقوم به ابن سلمان. أما ما صمتت عنه فنطق به إلى حد ما ترامب، وأسهب فيه العديد من الخبراء والمعلقين.
وعبَّر بعضهم عن خيبة أملهم من ولي العهد الذي كانت تل أبيب تعقد عليه الآمال، ويعتبرونه «الأمير الإصلاحي»، وصديق إسرائيل الذي اعترف «بحق اليهود في أرضهم» وتعهّد بإمرار «صفقة القرن» على حساب الفلسطينيين. فيما تخوف بعضهم من أن تبقى إسرائيل وحدها ضد إيران في حال تصاعد مفاعيل بشاعة جريمة مقتل خاشقجي.
مثلاً نقل المحلل السياسي ابن كسبيت عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع قوله «نتعامل هنا مع أميرين شابين نسبياً (في إشارة إلى ابن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد). ويُظهر ابن سلمان جرأة غير مألوفة وربما مغامرة أكثر مما ينبغي وهو يتخذ قرارات كانت تعتبر قبل سنة أو اثنتين قرارات جنونية، ويطيح الدبلوماسية السعودية إلى مستويات مختلفة تماماً. وإنه لأمر مثير كيف سينتهي هذا الأمر». بدوره رأى السفير الأميركي السابق في تل أبيب دان شابيرو أن «تورط ابن سلمان في مقتل خاشقجي كارثة بالنسبة إلى إسرائيل» محذراً من أنه وضع السعودية في موضع عدم الثقة تحت سلطته كما قوّض أي إجماع دولي محتمل للضغط على إيران.
في ضوء العمى الاستراتيجي الذي يعانيه ابن سلمان كما وصفه شابيرو يحضر التساؤل عما إذا كان سيلجأ الى خطوات دراماتيكية باتجاه إسرائيل في حال شعوره بأن طوق الخناق اشتد حول رقبته بهدف استعادة التأييد الغربي وتجديد الرهان عليه. وهل تجديه خطوات بهذا الاتجاه؟ وأي دور يمكن أن يقوم به الكيان الإسرائيلي لإخراج «الأمير» من ورطته... وهل سيكون سرياً أم علنياً أيضاً؟
بالمحصلة .. ما صمتت عنه تل أبيب وبعبارة أدق ما لم تفصح عنه بشكل مباشر وصريح تكفّل به الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بادر إلى إيضاح خلفية تمسكه بالقيادة السعودية الحالية مشيراً في مقابلة مع صحيفة «وال ستريت جورنال» بالقول «إذا تبيّن أن ولي العهد محمد بن سلمان كان متورطاً في قتل خاشقجي فإن هذا الأمر سيكون بمثابة ضربة قاسية للعلاقات بين السعودية والولايات المتحدة وسيكون لهذا الأمر تأثير سلبي على منطقة الشرق الأوسط» موضحاً أن «السعودية حليف جيد جداً في ما خص دعم إسرائيل ومحاربة ايران». وأضاف إن السعودية «ساعدتنا كثيراً مع إسرائيل كما أنهم يمولون الكثير من الأمور».
ومن نافلة القول إن موقف ترامب لم ينبع من فراغ وإنما من موقع الأكثر معرفة بالتفاصيل ومع أنه من حيث المضمون لم يكن مفاجئاً لكنه يبقى معطى كاشفاً عن السياق الذي يحكم العلاقات السعودية ــــ الإسرائيلية.
المحطات التاريخية التي مرّ بها الكيان الإسرائيلي يلاحظ أنه تناغم وتكامل مع النظام السعودي في أغلب المراحل. ومع أن الظروف السياسية لم تفتح المجال لتقارب علني ورسمي بين الطرفين إلا أن ذلك لم يحل دون تموضعهما في المعسكر الدولي والإقليمي نفسه بل تقاطعت أولوياتهما في أكثر من محطة تاريخية.
المزيد في هذا القسم:
- الفاتيكان يعلن وفاة البابا السابق بنديكت السادس عشر صباح اليوم المرصاد-متابعات أعلن الفاتيكان، السبت، وفاة البابا السابق بنديكت السادس عشر، الساعة 9:34 صباح اليوم، عن عمر يناهز 95 عاما. جاء ذلك في تغريدة للفاتيكان على توي...
- أوراق الصمود ومصير الاتفاق النووي: أسباب رفض طهران التفاوض... مرحلياً ! المرصاد نت - زكريا أبو سليسل لم يكتف دونالد ترامب بتكرار دعوة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات من دون أي إشارة منه إلى شروط مايك بومبيو الـ13 بل إنه أودع لدى ال...
- تصفية إرث بوتفليقة: «رموز النظام» داخل السجن ! المرصاد نت - محمد العيد في يوم واحد اعتقلت الأجهزة الأمنية السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ومستشاره الذي كان يوصف برأس القوى غير الدستورية واللواء بشير طرط...
- المعارك مستمرة: السوريون والعراقيون يواجهون «داعش»... والأميركيين المرصاد نت - متابعات تواصلت معارك غرب الأنبار وشرق دير الزور الهادفة إلى تحرير الحدود العراقية ــ السورية وسط تقدّم للقوات العراقية إلى مشارف مركز قضاء القائم...
- القمر العملاق: أقرب بدر عملاق يمكن لسكان الدول العربية رؤيته هذا العام المرصاد-متابعات إذا نظرت إلى السماء مساء الأربعاء يمكنك مشاهدة أكبر وأسطع قمر هذا العام. ويصنف قمر ذي الحجة، أو قمر الغزال، بأنه قمر عملاق على غرار "قمر الف...
- لبنان : السلطة تكابر وتفاوض بالشارع والغرب يريد التدخل ! المرصاد نت - متابعات تدحرجت كرة النار مساء أمس، بالتزامن مع المقابلة التي أجراها الرئيس ميشال عون مع الزميلين نقولا ناصيف وسامي كليب. أغلقت عشرات الطرقات وشلّ...
- تنديد دولي بقرار ترامب وتحذيرات من التصعيد.. ودمشق تؤكد الجولان سيعود! المرصاد نت - متابعات أكدت الحكومة السورية حقّها في العمل على استعادة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الممكنة فيما ركّزت موجة الاعتراض والاستنكار ال...
- العراق يسلم السفير التركي مذكرة احتجاج شديدة اللهجة المرصاد نت - متابعات أعلنت وزارة الخارجية العراقية الخميس عن وصول السفير التركي لدى بغداد الى مبنى الوزارة لتسليمه مذكرة احتجاج وصفتها بـ"شديدة اللهجة" بناء ع...
- التايمز ترصد النكسات المهينة للسياسة الإماراتية وعندما تتمنى البعوضة أن تتحول إلى أسد المرصاد - متابعات قالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن الإمارات تكبدت العديد من النكسات خلال الأعوام الأخيرة في الشرق الأوسط، بعد أن كان ولي عهد أبوظبي “محمد بن...
- 12 قتيلا في قصف يستهدف قافلة مساعدات أممية غرب حلب المرصاد نت - متابعات قتل 12 شخصا على الأقل الاثنين 19 سبتمبر/ أيلول بقصف لقافلة مساعدات إنسانية مشتركة بين الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية...