المرصاد نت - متابعات
عندما جيء بيوسف الشاهد على رأس الحكومة التونسية قبل عامين أُسبغت عليه صورة منقذ البلاد من انهيار محدق لكن بمرور الزمن ومع تصدع حركة «نداء تونس» وتحالفها مع حركة «النهضة» اختلطت الأوراق وصار الرجل يحمل جميع الصفات المعاكسة وتحول إسقاطه إلى هدف بحد ذاته.
أزمة الشاهد بدأت في التكشف تدريجاً مع تصاعد الخلاف بينه وبين حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحركة «نداء تونس» ونجل رئيس الجمهورية. فقبل ثلاثة أشهر من الآن تأكدت جميع الإشاعات حول درجة الصراع بين الرجلين صاحبي الخبرة القصيرة في السياسة إذ خرج رئيس الحكومة في خطاب متلفز واتهم غريمه بتدمير الحزب الذي يجمعهما مستشهداً بالنتائج السلبية التي حققها في الانتخابات البلدية.
عقب ذلك انطلقت حملة لاستقطاب قواعد «نداء تونس» ونوابه أثمرت فوزاً مبدئياً للشاهد عندما نجح في جمع ما يكفي من الأصوات الإيجابية لمصلحة وزير الداخلية الجديد الذي اقترحه خلفاً للطفي براهم أحد رجال رئيس الجمهورية في الحكومة.
اكتملت جميع ملامح الصراع مع تشكل تكتلين سياسيين جديدين وغير رسميين الأول بين السبسي والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد) والثاني بين الشاهد و«النهضة». يرى التكتل الأول أن الحكومة فشلت في تحقيق الأهداف التي رسمتها لها «وثيقة قرطاج» عند تأسيسها (اتفاق بين عدد من الأحزاب والمنظمات يضع أولويات للحكومة مقابل دعمها سياسياً) فيما يرى التكتل الثاني أن أي تغيير حكومي سيؤثر سلباً في السياسة العامة للبلاد وعلاقتها مع الشركاء الدوليين (خصوصاً صندوق النقد الدولي أهم مقرضي تونس) إذ إنه لم يَبقَ غير عام واحد عن تاريخ إجراء الانتخابات المقبلة.
اليوم صار الشاهد يحكم عملياً من دون تأييد من حزبه أو الرئيس ويرتهن مصيره لـ«النهضة» داعمه الوحيد. من جهة أخرى هو يعيش علاقة صراعية مع «اتحاد الشغل» ففي حين يطالبه الأخير برفع أجور العمال العموميين (أكثر من 600 ألف) ومنع خصخصة شركات عمومية تجبره الاتفاقات الثنائية مع «النقد الدولي» على تبني سياسات تقشفية تستهدف تقليص النفقات العمومية وعجز الموازنة. وضمن هذا السياق المتأزم جاءت موجة الإقالات المفاجئة يوم الجمعة الماضي.
رسمياً قال الناطق باسم الحكومة إياد الدهماني إن القرار رد فعل سياسي على إخلال إداري وجاء عقب تلقي مصالح رئاسة الحكومة دعوة لافتتاح أنشطة حقل نفطي إذ اكتُشف أن امتياز استغلال الحقل قد انتهى منذ 2009 من دون أن تنتبه إلى ذلك وزارة الطاقة. لكن الخبر رُوّج شعبياً على أنه جزء من حملة «مقاومة الفساد» التي أطلقها الشاهد قبل حوالى عام والتي قادت إلى سجن عدد من المهربين ورجال الأعمال من بينهم شفيق الجراية، أحد ممولي «نداء تونس».
تدريجياً بدأت تظهر معطيات جديدة تصب في اتجاهات أخرى. خرج الوزير المقال إلى الإعلام وقال إن الأمر مرتبط باختلاف حول التأويل القانوني لعقد الامتياز وإن الوزارة قد خلصت عقب إجرائها استشارات في 2015، أي قبل توليه المسؤولية بعام إلى أن الشركة يمكنها الاستمرار في استغلال الحقل إلى حدود 2029. وتبين لاحقاً أن الشاهد كان على علم بالمشروع الذي قُدم كأحد نماذج الاستثمارات الخاصة الكبرى خلال «مؤتمر 2020» الاقتصادي قبل عامين.
لكنّ للمسألة جانباً سياسياً أهم من مجرد الدعاية. فعند تأسيس الحكومة اقترحت الأحزاب الحاكمة على «الاتحاد العام التونسي للشغل» أن يشارك فيها بوزراء يمثلونه ومع رفض الأخير، وقع تعيين وزراء مقربين منه. نتيجة لذلك التوجه جيء بالتكنوقراطي خالد بن قدور على رأس «الطاقة» فهو إضافة إلى خبرته الطويلة في مجال الطاقة نجل حسين بن قدور أحد أبرز الرموز التاريخية للاتحاد النقابي. ويبدو مما تسرب أن بن قدور كان مرشحاً من رئيس الجمهورية و«نداء تونس» لتولي رئاسة الحكومة على أساس أن علاقته بـ«اتحاد الشغل» كفيلة بتخفيف الصراع معه، لكن الشاهد كان أسرع.
السيناريو الأخير يبدو مرجحاً خصوصاً مع صدور بيان عن إحدى النقابات الجهوية للطاقة يندد بالإقالة ثم تلويح «مجمع الوظيفة العمومية» التابع لـ«اتحاد الشغل» أول من أمس بعقد إضراب عام في الأسابيع المقبلة احتجاجاً على سياسة الحكومة. بدورها لم تبقَ «نداء تونس» مكتوفة الأيدي فردت على الإقالات بتصعيد حملتها الإعلامية ضد الحكومة ووصل الأمر إلى اعتبار القيادي خالد شوكات أن سياسة الشاهد «شعبوية» ويمكن أن تقود إلى مزيد من تعقيد الأوضاع، ما قد يؤدي إلى «انقلاب عسكري».
اليوم لا يبدو أن أحداً راضٍ عن يوسف الشاهد وحكومته لا النقابة العمالية المهدِّدة بالإضراب العام ولا «اتحاد الصناعة والتجارة» الذي يطالبه بدوره بتقليص الضرائب. وفيما تواصل «نداء تونس» حملتها لإسقاط الشاهد أصبحت «النهضة» تقايض دعمها له بضرورة أن يتعهد تجنب الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بين هذا وذاك استطاع الرجل على امتداد الأشهر القليلة الماضية أن يناور الجميع من دون أن يتعثر. ويبدو، كما تعكس نتائج شركات سبر الآراء أن شعبيته في ارتفاع لكنه مُطالب هذه المرة، في حال أراد المواصلة أن يدير صراعاً مفتوحاً لا يمكن أحداً حسم نتائجه مسبقاً.
المزيد في هذا القسم:
- النفط يواصل الهبوط: ضغوط ترامب تؤلم الرياض ! المرصاد نت - متابعات واصل إنتاج السعودية القياسي في ظل زيادة المخزونات الأميركية الضغط على أسعار النفط التي تراجعت أمس إلى نحو 60 دولاراً فيما يترقب المتعاملو...
- الجيش السوري يتقدم في ريف حماه الغربي افادت مصادر ميدانية للمنار ان الجيش السوري سيطر على منطقتي ارزة وبلحسين بريق حماة الغربي موقعاً عشرات القتلى في صفوف مسلحي جبهة النصرة. واضافت المصادر ان مسلحي...
- لماذا لا تنفي الانظمة العربية العلاقات السريّة مع "إسرائيل" ؟ المرصاد نت - رآي اليوم اللعب على ما يبدو بات على المكشوف حتى أنّ المتتبع للشأن الإسرائيليّ بات يشعر بأنّ الحديث عن علاقاتٍ سريّةٍ وعلنيّةٍ بين الدولة العبريّة...
- لماذا ترفض واشنطن تزويد سوريا منظومة إس-300؟ المرصاد نت - متابعات الرد الأميركي الحاد على تسليم سوريا منظومة الصواريخ لم يتأخر، إذ أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون معارضة بلاده الشديدة لتزويد سوريا بن...
- الحرب العالمية على فنزويلا: أوروبا تلتزم أوامر أميركا ! المرصاد نت - متابعات تصرّ الولايات المتحدة على إدخال فنزويلا في المجهول بمواصلتها الدفع نحو تكريس خوان غوايدو رئيساً للبلاد. وهي من أجل تحقيق هذا الهدف تبدو م...
- أبرز التطورات الميدانية والسياسية في المشهد السوري! المرصاد نت - متابعات حقق الجيش العربي السوري مزيدا من التقدم في ريف حماة الشمالي ببسط سيطرته مجددا على بلدتي "تل ملح" الاستراتيجية و"الجبين" بعد معارك خاضها م...
- ليبيا تدخل مرحلة خطيرة.. المنطقة الجنوبية تشتعل! المرصاد نت - محمد منصور تزامناً مع انطلاق العمليات العسكرية التمهيدية في محيط مدينة درنة التي تحاصرها قوات الجيش الوطني الليبي دخل الملف الليبي في مرحلة جديدة ...
- أستانا 9 ينطلق بغياب أميركي: تحولات مدروسة في مناطق تخفيض التصعيد المرصاد نت - متابعات لخصت تصريحات الجانب الروسي في شأن تخلف الوفد الأميركي عن حضور جولة محادثات أستانا الجارية واعتباره مؤشراً إلى غياب الإرادة الأميركية بدعم...
- طائرات أميركية تهبط في مناطق سيطرة 'داعش' بالعراق المرصاد نت - متابعات وثقت جهات عراقية هبوط مروحيات أميركية في مناطق تواجد عناصر 'داعش' في قرية المسحك خلف سلسلة جبال مكحول. وتظهر الصور التي عرضتها قناة 'ا...
- تمديد حالة الطوارىء في تركيا ثلاثة أشهر المرصاد نت - متابعات أعلن نائب رئيس الحكومة التركية نعمان كورتولموش الإثنين أن الحكومة قررت تمديد حالة الطوارىء في البلاد لثلاثة أشهر ابتداء من التاسع عشر من ...