المرصاد نت - متابعات
تعيش تونس منذ أشهر حالة سياسيّة غريبة حيث تطالب قيادة «حركة نداء تونس» بإقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ينتمي إليها ويدعمها في ذلك «الاتحاد العام التونسيّ للشغل» و«الاتحاد التونسيّ للصناعة والتجارة» (الأعراف) ورئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي على نحو غير مباشر وفي الجهة المقابلة تدعم «حركة النهضة» بقاءه.
تختلف التبريرات حول كلا الموقفين؛ ففي حين يعتبر حافظ قايد السبسي المدير التنفيذيّ لـ«نداء تونس» أنّ الشاهد قد فشل في أداء مهمّته يرى «اتحاد الشغل» أنّ برنامجه يستهدف خصخصة القطاع العام والإضرار بمصالح العمال والموظفين أما «حركة النهضة» فتقدّر أنّ الإبقاء عليه ضروريّ في هذه المرحلة لضمان الاستقرار السياسيّ.
في واقع الأمر بدأت هذه الحالة السياسيّة عقب توقف مشاورات ما يعرف بـ«اتفاق قرطاج 2»، وهو وثيقة من 64 نقطة تحدد أولويات عمل الحكومة، ومثّلت النقطة الأخيرة منها موضع الخلاف حيث نصّت على إحداث تغيير جذري على التركيبة الحكومية.
وكان من المفترض أن تعوّض الوثيقة الجديدة «اتفاق قرطاج 1» الذي وقعّته كبريات المنظمات المهنيّة والأحزاب قبل عامين والذي شمل تقديم الدعم للحكومة مقابل التزام الأخيرة بما جاء في الاتفاق. حينها جاء رئيس الجمهوريّة بيوسف الشاهد الذي يفتقد الخبرة السياسيّة وفرضه على رأس «حكومة الوحدة الوطنيّة». مع الوقت، انسحب عدد من الأحزاب من الاتفاق واعتبرت المنظمات المهنيّة أنّ الشاهد لم يلتزم ببنوده، وبرزت خشية لدى قيادة «نداء تونس» من تعاظم شعبيّة الرجل وطموحاته. في نهاية المطاف صار الخلاف مشخصناً بين رئيس الحكومة وحافظ قايد السبسي المتهم بسعيه إلى وراثة والده. وبدت «حركة النهضة» أكبر المستفيدين ممّا يحصل، فهي تدعم الشاهد سياسياً وتدفعه إلى القيام بإصلاحات ليبرالية لا شعبية من دون أن تتحمل هي التكلفة على مستوى الشارع.
وزير الداخلية: ورقة الاختبار
قبل أقلّ من شهرين أقال رئيس الحكومة وزير الداخليّة لطفي براهم من دون استشارة «نداء تونس» ورئيس الجمهوريّة. وجاءت الإقالة بعد ترويج إشاعة حول نيّة براهم القيام بانقلاب وعقده اجتماعاً مع مسؤول مخابراتي إماراتي. نشر الإشاعة موقع مدعوم من قطر وهي تصبّ في مصلحة «حركة النهضة» التي كانت تريد إطاحة براهم قبل توليه الوزارة أصلاً أي منذ أن كان يشغل منصب آمر «الحرس الوطني».
مع ذلك لم تأت الإشاعة من فراغ إذ خلّفت زيارة قام بها براهم للسعوديّة جدلاً واسعاً وصل إلى حدّ استجوابه في «لجنة الأمن والدفاع» داخل البرلمان. وما أثار الجدل هو عدم الإعلان عن الزيارة في تونس والكشف عنها من قبل وكالة الأنباء السعودية ثم عقد لقاءً مع الملك السعوديّ وهي حركة غير معتادة في الأعراف الديبلوماسية.
مشاكل رئيس الحكومة مع وزيره لم تقف عند ذلك الحد إذ اعترف براهم بعد إقالته بأنه كان يوجد «اختلاف في التقديرات» بينهما بخصوص التعيينات في المناصب الأمنيّة الرفيعة. وفي المحصلة يمكن القول إنّ إطاحة وزير الداخليّة خدمت أكثر من غرض، منها ترضية «حركة النهضة» وإزاحة وزير «منفلت» يمثل خطراً محتملاً ثم استخدام سدّ الشغور كورقة اختبار لوزن رئيس الحكومة داخل البرلمان استعداداً لاحتمال عرض حكومته بكاملها لتجديد الثقة.
يوم الجمعة عقدت الكتلة النيابيّة لـ«حركة نداء تونس» اجتماعاً لصياغة موقف من الوزير الجديد، وبعد إجراء تصويت داخلي سري أعلنت الكتلة أنّها لن تمنح ثقتها للفوراتي. بدا ذلك انتصاراً لحافظ قايد السبسي ففي غياب أصوات نواب «النداء» لن يحصل الوزير على الأغلبية اللازمة لكن حسابات يوسف الشاهد لم تكن مخطئة أيضاً.
أول من أمس بقيت قيادة الحركة متشبثة بعدم منح الثقة لكن الانشقاقات بدت واضحة إذ تمرّد عدد من النواب على قرار كتلتهم. أمام تلك التوترات توجه حافظ قايد السبسي إلى البرلمان ولحق به رئيس «حركة النهضة» راشد الغنوشي لمحاولة تغيير موقفه حفاظاً على «منظومة التوافق». تشبّث النواب المنشقون بتزكية الوزير المقترح وأمام ذلك هدّد قايد السبسي بطردهم من الحركة.
ما أنقذ الموقف كان تدخّل رئيس الجمهوريّة الذي حاول إبقاء قرار الكتلة موحداً وهو ما حصل. في نهاية اليوم عقد سفيان طوبال رئيس كتلة «النداء»، مؤتمراً صحافياً برفقة قايد السبسي، أعلن فيه قبولهم التصويت لصالح الفوراتي لكنه شدد على أن ذلك لا يعني دعم الحكومة، بل أعلن منح الشاهد مهلة عشرة أيام لعرض نفسه وكامل حكومته على البرلمان لتجديد الثقة. قبل خروجه من البرلمان، توجه الشاهد إلى الكاميرات بإشارة إعلان النصر. مع ذلك، لم تثمر ورقة اختبار الشاهد إلا انتصاراً جزئياً وغير مكتمل ولن يتكرس بقاءه إلا بعد نجاحه في تجديد ثقته برلمانياً. من جهته قال أمس راشد الغنوشي إن ما حصل يوم السبت «انتصار للوحدة الوطنية والتوافق».
ويأتي هذا التصريح في وقت ينتظر فيه أغلب المراقبون إعلان وفاة «منظومة التوافق» لكن يبدو اليوم أن حسابات السياسة تقود في اتجاه إطالتها وقد يكون بديل السبسي الأب يوسف الشاهد ومشروعه السياسي الخاص الذي باتت تتضح ملامحه يوماً بعد آخر.
المزيد في هذا القسم:
- واشنطن بوست: اتفاق تيران وصنافير يبرز العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل ومكافأة للن... متابعات : قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إن الإعلان عن انتقال جزيرتى تيران وصنافير إلى السيادة السعوديةألقى الضوء على العلاقا...
- ليلة الرياض المرعبة: الدراون مسرحية تجافي الحقيقة! المرصاد نت - متابعات نشر المغرّد السعودي "مجتهد" تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر علّق فيها على إطلاق النار الذي حصل في حي الخزامي الّذي توجد به قصو...
- ما سر الانفجارات في مخازن للأسلحة والمقرات العسكرية العراقية ؟ المرصاد نت - متابعات أربعة تفجيرات في أقل من شهرين في العراق أولها في 19 يوليو شمال شرق بغداد وآخرها أمس الثلاثاء بالقرب من قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح ال...
- واشنطن و«طالبان» توقّعان اتفاقهما: لا أملَ بسلامٍ قريب! المرصاد نت - متابعات رُسمت خريطة طريق الانسحاب الأميركي مِن أفغانستان في محاولة لطيّ صفحة الحرب الأميركية الكُبرى. بتوقيع «اتفاق تاريخي» بين واشنطن و«طالبان»،...
- تاريخية العدوان على سوريا … أردوغان والأوهام العثمانية ! المرصاد نت - متابعات لطالما كان الحديث عن سوريا مميزا ًومعطرا ًبخصوصيتها وبعلاقتها الأبدية – الفريدة مع التاريخ وشهدت أرضها تعاقب الغزاة والحضارات فيما ...
- بين وعدَي بلفور وترامب ... فلسطين عصيّة! المرصاد نت - متابعات ربما لا يعدّ الفلسطينيون سنوات نكبتهم في ظلّ عيشهم إياها واقعاً حاضراً لا مجرد ذكرى لكنهم مضطرون إلى إحصاء ما انتهى إليه واقعهم بعد هذه ا...
- الطيران الاسرائيلي يستهدف مطار المزة العسكري في دمشق المرصاد نت - متابعات العدو الاسرائيلي والامريكي دائماً مايتدخلون في حال انهيار مرتزقتهم واندحارهم ولرفع معنوياتهم قام العدو الاسرائيلي بغاراته الهستيرية علي...
- أبرز التطورات الميدانية والعسكرية في المشهد السوري! المرصاد نت - متابعات قُتل 6 من أفراد الجيش التركي المنتشر داخل محافظة إدلب السورية وجُرح آخرون إثر قصف مدفعي نفّذته وحدات الجيش العربي السوري (بعد منتصف الليل...
- تقرير يكشف عن خطة اميركية عسكرية خطيرة لغزو دولة عربية المرصاد نت - متابعات فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في نهاية المطاف غير أنها وضعت خطة أخرى لا تقل خطورة تلوح في الأف...
- كاراكاس تستبق تصعيداً متوقعاً السبت: رفع الحصانة عن غوايدو ! المرصاد نت - متابعات في وقت يستعدّ فيه الانقلابي خوان غوايدو لتصعيد تحركاته التي تتخذ من أزمة الكهرباء والمياه المفتعلة ستاراً لها تواصل حكومة نيكولاس مادورو ...