ما سر تمسك أبوظبي بأرض الصومال ؟

المرصاد - متابعات

“لا يعترف بها أحد، على مختلف المستويات؛ عربياً وقارياً ودولياً”، لكن الإمارات ضربت بكل هذا الإجماع الجارف عرض الحائط، ونسجت علاقات قوية مع جمهورية “أرض الصومال”، ودعمت تفتيت دولة عربية بأشد الحاجة إلى الدعم والتضامن ورصّ الصفوف.

و”صوماليلاند” هي منطقة حكم ذاتي، تقع في القرن الأفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمالي الصومال، وتتخذ من “هيرجيسا” عاصمة لها، في حين تُعد “بربرة” أهم مدنها.

وتحدُّ “أرض الصومال” من الجنوب والغرب دولة إثيوبيا، وتحدها جيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن بالشمال، في حين يحدها إقليم “بونتلاند” التابع للحكومة الفيدرالية الصومالية.

وأعلنت “أرض الصومال” انفصالها من طرف واحد عن الحكومة المركزية في مقديشو، عقب الإطاحة بالديكتاتور محمد سياد بري عام 1991، إثر صراع مرير أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتدمير عديد من المدن.

وتبلغ مساحة الإقليم الانفصالي 137600 كم مربع، ويقدَّر سكانه بـ3.5 ملايين نسمة بحسب تعداد عام 2008، في حين يتولى موسى عبدي رئاسته منذ نوفمبر 2017، خلفاً لأحمد سيلانيو.

وجود إماراتي مريب
في مارس 2018، كشف “عبدي” أن الإمارات ستدرب قوات أمن بالمنطقة في إطار اتفاق بين الطرفين لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية، زاعماً أن القاعدة ستضمن تحقيق تنمية أمنية واقتصادية في البلاد، فضلاً عن ردع مَن وصفهم بـ”الجماعات المتشددة في المنطقة”.

والإمارات متهمة، بحسب تقارير عربية وغربية، بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، ومحاولة إبقاء الحكام
الديكتاتوريين خلافاً لرغبات الشعوب وتطلعاتها إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وهي الشعارات التي رفعتها ثورات الربيع العربي.

وتستميت الإمارات، خاصةً ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحاكمها الفعلي، في دعم الجنرالات والحكم العسكري كما يحدث في مصر بإغداق الأموال على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع وقت عزله للرئيس الراحل محمد مرسي.

وإضافة إلى السيسي، تقدم الإمارات دعماً عسكرياً ومالياً وإعلامياً للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسعى إلى إسقاط حكومة فايز السراج المعترف بها دولياً، دون إغفال الإشارة إلى ممارساتها في اليمن ودعمها لقوات انفصالية في الجنوب.

قاعدة عسكرية إماراتية
وبالعودة إلى إنشاء القاعدة العسكرية الإماراتية، فقد شرعت أبوظبي في تشييدها عام 2017، على موقع بمطار مدينة بربرة، مع اتفاق مع حكومة الإقليم يسمح ببقاء الإماراتيين فيها 30 عاماً.

وتكمن أهمية القاعدة العسكرية في أنها تقع على بُعد أقل من 300 كيلومتر إلى الجنوب من اليمن.

ولم تكتفِ الإمارات بذلك، بل دشنت في أكتوبر 2018، من خلال شركة “موانئ دبي العالمية”، مشروعاً لتوسيع ميناء بربرة بقيمة 101 مليون دولار أمريكي من أصل 442 مليوناً، هي القيمة الإجمالية لاتفاق التوسعة، حيث يتم من خلاله تصدير الإبل إلى الشرق الأوسط واستيراد الغذاء وغيره.

وترفض الحكومة المركزية في العاصمة مقديشو الاعتراف بتلك الاتفاقيات بين أبوظبي و”أرض الصومال”، مؤكدة أن ذلك يعتبر تجاوزاً على السلطة الشرعية، المعترف بها في جميع أروقة الأمم المتحدة، وخرقاً لسيادتها.

وسعت أبوظبي بكل ما أوتيت من قوة، إلى إخضاع حكومة مقديشو، وأنفقت الأموال ببذخ لتحقيق هدفها، لكن الأخيرة كشرت عن أنيابها وردَّت الصاع صاعين؛ عندما صادرت في أبريل 2018، ملايين من الدولارات ضُبطت بحوزة السفير الإماراتي لدى الصومال محمد أحمد عثمان، حيث كانت في طريقها إلى قوات أمنية تدربها الإمارات، وطردت المدربين.

كما كشف تقرير دولي في أكتوبر 2018، عن اجتماع بين دبلوماسيين إماراتيين ومسؤول سابق رفيع بالوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن الصومالي في مطعم بالعاصمة الكينية نيروبي، قبل يوم من مصادرة الأموال الإماراتية، وهو ما يكشف التحركات الإماراتية الخفية لشراء ذمم عسكريين صوماليين، في إطار خططها للسيطرة والنفوذ والهيمنة.

ما سرُّ تمسُّك الإمارات بـ”صوماليلاند”؟
الإمارات، التي تواجه غضباً ورفضاً شعبياً عارماً في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بسبب سياسات حكامها وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول الأخرى، وضعت خطة للاستحواذ على دول القرن الأفريقي: الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإرتريا.

كما أنها تسعى جاهدة إلى بسط نفوذها على المنطقة المحيطة بمضيق باب المندب، وهو ما يظهر بوضوح من خلال تحركاتها في اليمن، وسعيها للسيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية الاستراتيجية.

الصومال أو حتى “أرض الصومال” لم تكن الخيار المفضل للإماراتيين؛ إذ كانوا قد وقعوا اتفاقيات مع جيبوتي في عام 2006، تمنحهم امتيازات لإدارة ميناء “دوراليه” 50 عاماً.

وحاولت حكومة جيبوتي، على مدار السنوات الماضية، تعديل الاتفاقية؛ اعتراضاً على عدة بنود، على غرار الإدارة الإماراتية للميناء وحق الأولى في بناء موانئ أخرى، قبل أن تفسخ جيبوتي، في فبراير 2018، العقد؛ لـ”تعارُضه مع المصالح الأساسية للدولة”.

وبانسحابها من جيبوتي وفشلها في إدخال الحكومة المركزية بالصومال المدعومة قطرياً وتركيّاً إلى بيت طاعتها، لم تجد الإمارات سوى “صوماليلاند” لإيجاد موطئ قدم لها بإقامة قاعدة عسكرية هناك، للحفاظ على وجودها في خليج عدن.

المزيد في هذا القسم: