المرصاد نت - عبدالباري عطوان
تستحق تصريحات السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي اهتماما خاصا من اي محلل سياسي
يريد فهم توجهات بلاده (السعودية) الاقليمية والدولية تجاه العديد من الملفات الباردة والساخنة، على حد سواء لان الرجل يمكن النظر اليه كلسان حال الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة السعودية وصاحب القرار الاقوى فيها.
فاذا كانت تصريحات السيد الجبير تصيب البعض بالملل والكآبة لطابعها التكراري خاصة عندما يتعلق الامر بسورية وتأكيداته على رحيل رئيسها بشار الاسد سلما او حربا فإن تلك التي ادلى بها الى صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية ونشرتها امس وتحدث فيها عن تطورات الاوضاع في اليمن جاءت مختلفة وتتضمن الكثير من المواقف الجديدة والمفاجئة في الوقت نفسه، لانها تعكس تغييرا جذريا في اولويات بلاده في هذا البلد الذي تقصفه طائرات “عاصفة الحزم” منذ اكثر منذ عام، وتقتل وتدمر كيفما تشاء (خلا لك الجو فبيضي واصفري).
السيد الجبير قال للصحيفة الفرنسية “ان تنظيمي داعش والقاعدة هما اول اعداءنا في الجزيرة العربية فهؤلاء هم الارهابيون الحقيقيون اما الحوثيون فهم يمنيون وجيراننا ونحن نتفاوض معهم في الكويت وجرى تقدم في المحادثات حول بعض القضايا ولا تزال هناك بعض الخلافات حول الاخرى”.
الحرب ضد تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية” في اليمن لم تكن في قمة اولويات المملكةالسعودية او ذيلها وكانت طائرات “عاصفة الحزم” تمر فوق تجمعاتهما في ابين والمكلا وعدن مرور الكرام، ولم يحدث مطلقا ان شنت اي غارات عليها حتى بعد استيلاء الاولى، “القاعدة”، على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت واقامت “امارة” اسلامية فيها.
***
هذا التغيير في سلم الاولويات في الجبهة اليمنية أملته عدة اعتبارات نوجزها في النقاط التالية:
اولا: بعد دخول “عاصفة الحزم” عامها الثاني دون ان تحقق ايا من مطالب او شروط، الذين يقفون خلفها وخاصة عودة ماتسمي بالقيادة الشرعية (الرئيس هادي ومعظم وزرائه يقيمون حاليا في الرياض) واستسلام “الحوثي الصالحي” والانسحاب من صنعاء وتسليم الاسلحة الثقيلة للحكومة الشرعية.
ثانيا: الضغوط الامريكية المكثفة التي مورست على القيادة السعودية للبدء في قصف مواقع التنظيمين المذكورين بشراسة، لان “الحرب على الارهاب” يجب ان تعطي الاولوية القصوى، حتى ان الادارة الامريكية هددت بإيقاف التنسيق العسكري مع القيادة العسكرية السعودية وتبادل المعلومات وتحديد الاهداف، في حال لم تنخرط الرياض في مفاوضات الحل السلمي مع التحالف “الحوثي الصالحي” وتضع الحرب على الارهاب على قمة سلم اولوياتها.
ثالثا: استجابة الادارة الامريكية لطلب اماراتي بإرسال قوات خاصة للقتال الى جانب قواتها (الامارات) في جنوب اليمن ضد تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية” وارسلت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) اكثر من 200 جندي من القوات الخاصة الى حضرموت فعلا.
رابعا: تعاظمت قوة التنظيمين المذكورين، وقدراتهما العسكرية والتسليحية بفضل انهيار الحكومة اليمنية، وتجنب الصدام معهما من قبل قوات وطائرات “عاصفة الحزم”، ووصول معدات حربية حديثة من الدول المنخرطة في هذه “العاصفة”، سقطت كميات كبيرة منها في ايديهما، مما جعل عمليات قواتهما في عدن وحضرموت اكثر فاعلية، ومن بينها اغتيال العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية ومهاجمة معسكرات للجيش والتحالف العربي.
اذا تأملنا هذه العوامل الاربعة منفردة او مجتمعة يمكن فهم التحول الكبير والمفاجيء في الاستراتيجية السعودية في اليمن، وانقلاب سلم اولوياتها رأسا على عقب ولكن نجاح هذه “المقامرة” محفوف بالمخاطر فشن حرب ضد عدوين قويين في الوقت نفسه، وفتح جبهة جديدة دون حسم الجبهة الاولى ربما يؤدي الى تشتيت الجهود، وتكبد خسائر كبيرة.
ربما يجادل البعض، وما اكثر المجادلين هذه الايام، بأن السعودية وحلفاءها لم يغيروا هذه الاولويات الا بعد الانخراط في مفاوضات الحل السياسي مع التحالف “الحوثي الصالحي” في الكويت وهذا جدل ينطوي على بعض الصحة وليس كلها فماذا لو انهارت هذه المفاوضات واحتمالات الانهيار كبيرة لان كل التقدم الذي تم تحقيقه انحصر في الافراج عن نصف المعتقلين في غضون عشرين يوما ولم يتم تحقيق اي تقدم على صعيد الملفات الامنية او السياسية حسب ما اكدت لنا مصادر مطلعة تشارك في هذه المفاوضات وجلساتها.
ولعل التصريحات الذي اطلقها العميد ركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” (اين كان مختبأ طوال الايام الماضية) يوم امس وهدد فيها باقتحام العاصمة صنعاء تؤكد ما ذكرناه آنفا حول هشاشة هذه المفاوضات ودورانها في دائرة مفرغة واستمرارها حتى الآن يأتي بسبب التدخلات الكويتية على اعلى مستوى.
***
تهديدات الفريق عسيري في الملف اليمني مثل تهديدات نظيره الجبير في الملف السوري فقد سمعنا هذه التهديدات عن اقتحام صنعاء اكثر من عشر مرات ان لم يكن اكثر منذ بداية الازمة وحتى الآن وها هو يمر اكثر من عام وقوات الفريق، ما زالت تقاتل في مأرب وتعز، ولم تستول عليهما كليا.
ما دمنا نذّكر الفريق عسيري بتصريحاته التي ربما يكون نسيها حول اقتحام صنعاء فانه بات لزاما علينا ان نذّكر رفيق دربه السيد الجبير حول الحوثيين الذين اكد مرارا ان التفاوض معهم “خط احمر” وان عليهم الاستسلام كليا لشروط “عاصفة الحزم” الخمسة وهي معروفة اي اي حال ولا داعي لتكرارها.
بمعنى آخر لم يعد الحوثيون وحسب السيد الجبير رافضة ومجوس وراس حربة للخطر الفارسي وتحولوا بقدرة قادر وفي لمح البصر الى يمنيين وجيران وبشر وليس لهم اي علاقة بالفرس الاعداء وسبحان مغير الاحوال.
هل سنسمع السيد الجبير يقول الكلام نفسه عن السوريين الذين يقاتلون في الجانب الآخر ويطالب برحيل رئيسهم سلما او حربا في “يوم ما” في المستقبل المنظور؟
ليس هناك اي شيء مستبعد على السيد الجبير او قادته فالوقائع على الارض تغير الاولويات وتحول الاعداء الى جيران وما علينا الا الانتظار.
المزيد في هذا القسم:
- «غزو» سعودي للمهرة: «إمارة» سلفية على حدود عمان؟ المرصاد نت - دعاء سويدان في تطور هو الأخطر من نوعه منذ بدء التحركات السعودية في محافظة المهرة في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أفيد عن تحضيرات جارية ل...
- محادثات الكويت لم توقف المعارك والغارات العدائية المرصاد نت - محافظات واصل العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته خروقاتهم في عدد من المحافظات اليمنية رغم بدء محادثات الكويت بعد تقديم ضمانات من قبل الأمم المتحد...
- علي البخيتي: بيان مجلس الامن قد يدفع السلطة الى ممارسة العنف ويعمق الازمة قلل عضو المجلس السياسي لأنصار الله علي البخيتي من أهمية بيان مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن الوضع في اليمن.مشيراً ان انصار الله لا يعيرون لقرا...
- سقطرى اليمنية .. تظاهرات شعبية وأسلحة سعودية وأعلام إماراتية ! المرصاد نت - متابعات شهدت محافظة أرخبيل سقطرى أمس الأحد تظاهرة شعبية تطالب بإقالة المحافظ رمزي محروس وأفادت مصادر محلية بخروج المئات في مظاهرة دعا لها المجلس ...
- تطهير مناطقي في عدن والعدوان يمهّد لعزل الجنوب المرصاد نت - رشيد الحداد تشهد عدن حملة تهجير لأبناء الشمال من السكان والعمال في استكمال لعملية التطهير التي بدأت مع اندلاع الحرب. وتعزل الحملة التي تقف ورا...
- موقع أمريكي : انتهاكات إجرامية للقوات الإماراتية جنوب اليمن المرصاد نت - متابعات فضح موقع "ديلي بيست" الأمريكي يوم الجمعة 9 يونيو/حزيران 2017 ماتقوم به جماعات موالية لأبوظبي من انتهاكات ضد المدنيين في اليمن تصل إلى الق...
- الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟ المرصاد-متابعات في خطوة متوقعة، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ملغياً بذلك قرار سلفه جو بايدن الذي أزالهم من الق...
- عملية 'الرمح الذهبي' تنكسر على ساحل باب المندب المرصاد نت - رشيد الحداد أحبطت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية هجوماً متزامناً من البر والبحر والجو نفذته قوات تحالف العدوان تحت تسمية الرمح الذهبي وذلك في ...
- معارك الحدود ومفاوضات الكويت تثير هستيرية العدوان…والعسيري يصرح باستمرار الحرب المرصاد نت - متابعات قال المتحدث باسم قوات تحالف العدوان احمد العسيري في تصريحات متلفزة أن حملات التحالف في اليمن ستستمر حتى ينتهي الانقلاب على الشرعية في الب...
- توتر في عدن بعد رفض ألوية الحماية الرئاسية مغادرة ثكناتها المرصاد نت - متابعات تشهد محافظة عدن حالة من التوتر الشديد عقب رفض ألوية الحماية الرئاسية مغادرة مواقعها داخل مديريات المحافظة إلى محافظات مجاورة تنفيذا لاتفا...