المرصاد نت - الأخبار
لم تبدأ الحرب أول من أمس مع ضربة منشأتي «أرامكو» شرق الجزيرة العربية. إلا أن الهجوم الأضخم ولئن كان يشكّل علامة على مآلات السنوات الماضية يعدّ بحاله جولة تكاد تعادل ما مرّ من جوالات. صباح السبت، كانت «السهام» اليمنية تخرج من تحت الركام مصوّبة على قلب القلب في المملكة السعودية: «أرامكو»، قالبة المعادلات والتوازنات وناقلة مشهد الحرائق والدمار من اليمن إلى معاقل الزيت التي بها وحدها قاتلت الرياض من قاتلت وحالفها من حالفها. تلك المنشآت التي صنعت على مدار العقود الماضية السعودية على ما هي عليه وهي اليوم محط آمال حكّامها للحفاظ على المستقبل.
أهمية الضربة ستتضح في الأيام المقبلة، حين سيظهر عجز الطرفين الأميركي والسعودي وضيق الخيارات أمامهما؛ فالأول لا يريد افتضاح كذبة «الحماية» وفي الوقت نفسه يخشى ارتفاع أسعار البترول. والثاني بفضل عناده وارتهانه لواشنطن بدأ ينتقل من التخبط في المستنقع إلى الغرق فيه. وفي هذا الوقت، تستفيد إيران من تفكّك قواعد الحملة ضدها مع استشعار العالم إمكانية ارتفاع الأسعار ودفع الجميع الثمن.
سيطول النقاش حول من أين خرجت الطائرات أو هل هي مسيّرات أم صواريخ مجنحة لكن النتيجة واحدة. تتوجه الأنظار في الرياض كما طهران إلى موقف واشنطن من القضية، لكن لا مؤشرات على أن حكام السعودية تعلّموا الدرس هذه المرة بأن الولايات المتحدة لا تقاتل عن أحد. ليس هذا فحسب فهي لن تألو جهداً في استثمار ضعف هؤلاء وارتهانهم لمزيد من الابتزاز والحلب المجاني. فواشنطن سبق أن بعثت برسالة إلى بغداد مع ضربة ينبع، مؤكدة أن المسيّرات خرجت من العراق لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ بل ماذا حصل حين أسقطت طائرتان أميركيتان في اليمن وعلى أيدي «الحوثيين» أنفسهم؟ ويتعمّق مأزق حكّام الرياض حين نعلم أنهم ممنوعون من الحوار مع إيران بقرار أميركي صدر قبل أشهر، مجهِضاً في المهد محاولة سعودية لإيجاد حلول إقليمية قد تسبق الحوار الإيراني الأميركي الذي ترتفع أسهمه اليوم.
يكفي لفهم حجم الورطة السعودية أن الأخيرة مضطرة إلى الرد على اتصال دونالد ترامب والاستجابة لطلبه فتح احتياطيها لتعويض الخسائر بكل بساطة. وهي خسائر بدأت تتكشّف ساعة بعد أخرى، ليرجّح الخبراء ليل أمس أن الأضرار جسيمة وتحتاج إلى أسابيع لإصلاحها وبالتالي ما ستخسره السعودية مع توقف نصف إنتاجها على الأقل لأيام (معدّل عائد الإنتاج اليومي يقارب نصف مليار دولار) لن يكون من فئة الملايين، بل المليارات. مليارات «البترودولار» تحترق في صحراء العرب أمام أعين العالم والقواعد الأميركية وعدسات الأقمار الصناعية، بسلاح بخس الثمن، لتقول إن ثمن مغامرة اليمن ليس تعذّر الانتصار فحسب بل جني خسائر عكسية تماماً.
قلب السعودية يحترق!
في الوقت الذي كانت فيه السلطات السعودية تواصل استعداداتها لطرح جزء من أسهم «جوهرة التاج» في بناها التحتية شركة «أرامكو» النفطية العملاقة في البورصة العالمية، جاءت ضربة الجيش اليمني واللجان الشعبية بعشر طائرات مسيّرة ضد معملين تابعين للشركة في محافظة بقيق وخريص شرق المملكة لتعيد تلك العملية خطوات إلى الوراء بفعل الاهتزاز المتوقع في ثقة المستثمرين بالشركة التي تواجه أصلاً صعوبة في إحراز قيمة تريليونَي دولار اللازمة لجمع مئة مليار دولار من وراء الطرح العام الأولي.
الضربة التي أطلقت عليها سلطات صنعاء تسمية «عملية توازن الردع الثانية» بعد «عملية توازن الردع الأولى» التي استهدفت أواخر الشهر الماضي حقل الشيبة النفطي شرق السعودية أيضاً (على الحدود مع الإمارات) تأتي لتثبّت معادلة جديدة عنوانها أن لا حصانة لأيّ منطقة حيوية في العمق السعودي وأن اليمنيين باتت لديهم القدرة على إيلام من يشنّ عليهم العدوان منذ ما يزيد على أربع سنوات وإلحاق خسائر جسيمة به. حقيقةٌ يُفترض منطقياً أن تدفع الرياض ومن ورائها الراعي الأميركي، إلى التراجع عن سياسة المكابرة والإصرار على نطح الجدار، لصالح سياسة واقعية تحذو ابتداءً حذو الخطوات الإماراتية الأخيرة ومن ثم تمهّد الطريق لعقد مفاوضات جادة تؤدي إلى إنهاء الحرب ورفع الحصار وإيجاد حلّ سياسي توافقي بين اليمنيين.
فجر أول من أمس بدت السعودية كما لم تُرَ يوماً من قبل: ألسنة من اللهب وأعمدة من الدخان تتصاعد من أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم (تزيد قدرة إنتاجها على سبعة ملايين برميل يومياً، وتبعد عن الأراضي اليمنية أكثر من 1200 كيلومتر). مشاهدُ سرعان ما فاقمت وقعَها الأنباء عن اضطرار «أرامكو»، بفعل الضربة اليمنية، إلى وقف نحو نصف إجماليّ إنتاجها من النفط، أي ما يعادل 6% من الإنتاج العالمي وبالتالي اللجوء إلى المخزون من أجل تعويض النقص في الإمدادات. هذه الفاتورة الباهظة، والتي تكشف هشاشة قدرة الدفاع السعودية على رغم كلّ ما تنفقه المملكة على عمليات التسلح، توعّدت صنعاء، الرياض، بما هو أعظم منها، مهدّدة بـ«اتساع نطاق العمليات الهجومية الجوية في أراضي العدوان ما لم يتوقف النظام السعودي عن عدوانه وحصاره» وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع الذي أكد أيضاً أن عملية السبت «النوعية والواسعة حققت أهدافها بدقة عالية»، وأنها «لن تكون الأخيرة».
استهداف مصافي النفط في بقيق وخريص والتي تُعدّ الهدف السادس من بين 300 هدف أعلنتها صنعاء مطلع الربع الثاني من العام الجاري يؤكد - على المستوى العسكري - أن القدرات اليمنية باتت في مراحل متقدمة جداً وخصوصاً منها الطائرات المسيّرة التي يبيّن الخبراء أن حديث المسافات في شأنها ليس مهماً؛ إذ إن تقنياتها تعمل وفق نظام مغلق وغير قابل للاختراق، كما أنها تحمل في ذاكرتها خطّ سير محدداً مسبقاً وصولاً إلى هدف «نقطوي» بحيث يصعب على الرادارات التقاط بصماتها، فضلاً عن أن خبراء المنظومات الفنية في اليمن قادرون على تضليل منظومات الدفاع السعودية التي يدير أكثريَتها أميركيون وبريطانيون. وعليه يُتوقع بالاعتماد على تلك التقنيات وغيرها، أن تشهد المرحلة المقبلة انتخاباً لمزيد من الأهداف النوعية والحيوية في العمق السعودي والتي يحدث ضربها تأثيراً استنزافياً إشغالياً. أما على المستوى السياسي فإن صنعاء تبدو في موقع المفاوِض القوي الذي يملك الكثير من الأوراق فيما خصومها مشتّتون ومنشغلون بالاقتتال (كما يجري في جنوب اليمن) وعاجزون عن حماية أراضيهم بعدما كان هدفهم مع بداية الحرب سحق الحركة اليمنية. وتلك معطيات ستجد سبيلها حتماً إلى طاولة أيّ مفاوضات يمكن أن تلتئم في المرحلة المقبلة بما يجعل النتيجة لغير صالح السعودية وحلفائها.
على المقلب المضاد بدا الارتباك واضحاً على الرياض التي لم تتأخّر في الإقرار بالهجمات وأضرارها الاقتصادية مُعلنةً أنها باشرت تحقيقاً لمعرفة مصدرها في الوقت الذي كان فيه حليفها الأميركي، على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو يقول إنه لا دلائل على انطلاق الهجمات من اليمن مُحمّلاً إيران المسؤولية المباشرة عنها. وهو اتهام دائماً ما يتكرر على ألسنة المسؤولين الأميركيين والسعوديين في محاولة للتهرّب من الاعتراف بحقيقة الواقع الذي بات قائماً في اليمن الأمر الذي شدّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على أنه «لن ينهي الكارثة» معتبراً أن «القبول بمقترحاتنا وإنهاء الحوار يمكن أن يؤديا إلى ذلك».
هل ستصغي السعودية إلى «النصيحة» مثلما كانت فعلت - جزئياً - حليفتها الإمارات؟ ولي عهد المملكة محمد بن سلمان الذي وصف عملية بقيق وخريص بـ«العدوان» أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده «قادرة ومستعدة» للردّ على الهجمات، في تصريحات تعيد إلى الأذهان ما كان تبجّح به سابقاً من أن السعودية قادرة على «اجتثاث الميليشيات في أيام قليلة» ولاحقاً من أنه «لم يعد ضدنا هناك (في اليمن) إلا فلول الحوثيين». لكن ابن سلمان يدرك جيداً أنه يَعِد بما لا يقدر عليه، وأن جلّ ما يتطلّع إليه اليوم هو مخرج «لائق» يحفظ ماء وجه المملكة، ويساعدها على الانسحاب من المستنقع الذي تتخبّط فيه، خصوصاً في ظلّ ما بات واضحاً أنه ترجمة يمنية لتسمية «عام الحسم» سواءً بتصعيد الهجمات على المطارات والمنشآت الحيوية والقواعد الاستراتيجية السعودية، أم بالانتقال في الداخل من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم عبر سلسلة عمليات نوعية تمتدّ من الجنوب وصولاً إلى الحدود وكان آخرها في جبهة كتاف حيث أوقع الجيش واللجان جميع أفراد «لواء الوحدة» (الموالي للسعودية) وضباطه (2000 جندي وضابط) في الأسر.
ويُعدّ استهداف المواقع النفطية السعودية جزءاً من استراتيجية الردّ اليمنية على الحصار المفروض على هذا البلد وتعمّد «التحالف» تضييق الخناق على صنعاء، وتصدير أزماته في المحافظات الجنوبية إليها، فضلاً عن استهداف الاستقرار التمويني في السوق اليمني. وفي هذا الإطار، أقدمت قوات «التحالف» على مدى الأسبوعين الماضيين ومن دون مبرر على احتجاز 13 سفينة محمّلة بالوقود والغذاء كانت في طريقها إلى ميناء الحديدة بعدما خضعت لآلية التفتيش الأممية في جيبوتي وحصلت على تراخيص دخول إلى الميناء الذي يستقبل قرابة 70% من واردات اليمن الخارجية.
خطوة سارعت حكومة الإنقاذ في صنعاء إلى إدانتها محذرة الرياض من تبعات تلك الإجراءات التي تستهدف ما تبقى من استقرار اقتصادي ومعيشي للملايين من اليمنيين، ومُحمّلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني كامل المسؤولية عنها. ومساء الجمعة، حذرت «شركة النفط اليمنية» في صنعاء من تفاقم الوضع الإنساني بسبب استمرار «التحالف» في احتجاز ستّ سفن مشتقات نفطية، تحمل أكثر من 87 ألف طن بنزين، و42 ألف طن ديزل، ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة. ويتزامن تشديد الحصار على الميناء، ومنع دخول الشحنات التجارية إليه، مع تحذير الغرف الصناعية والتجارية في صنعاء من توقف عملية الاستيراد، وإعلانها توقفها إجبارياً (جراء الانتهاكات العنصرية التي يتعرض لها التجار في المحافظات الجنوبية من قِبَل المليشيات الموالية للإمارات) عن استقبال شحنات الغذاء والدواء والوقود من ميناء عدن منذ العاشر من آب/ أغسطس.
وكان قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي حذر السعودية مراراً من أن القوات اليمنية المشتركة لن تسمح بأن يموت الشعب اليمني جوعاً ولن تلتزم الصمت إزاء سياسة التجويع التي يمارسها «التحالف». ونصح السيد الحوثي في أكثر من خطاب الشركات الدولية ورؤوس الأموال الأجنبية بعدم الاستثمار في السعودية والابتعاد عن الشركات النفطية وحقول النفط في المملكة قبل أن يتعهّد عقب استهداف الطائرات المسيّرة حقل الشيبة بـ«استهداف الضرع الحلوب حتى يجفّ» في إشارة إلى أن حقول النفط كافة أصبحت اهدافاً لسلاح الجو المسيّر.
المزيد في هذا القسم:
- الغارديان تخرج عن صمتها... بريطانيا متواطئة مع السعودية في اليمن المرصاد نت - متابعات نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها (الأربعاء 17 أغسطس/آب 2016) بعنوان: وجهة نظر الغارديان في اليمن: أوقفوا مبيعات الأسلحة إلى ...
- كواليس حوار جدة: هل تتخلى أبوظبي عن نفوذها بعدن للرياض؟ المرصاد نت - متابعات حالة من الترقب تسود في اليمن في أعقاب التسريبات الأولية بشأن مضامين مسودة اتفاق تسعى السعودية للتوصل إليه بين حكومة هادي وما يعرف بـ"المج...
- الصحة: إغلاق مطار صنعاء جريمة حرب مستمرة بحق المرضى المرصاد نت - متابعات أكدت وزارة الصحة العامة والسكان أن استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي من قبل تحالف العدوان السعودي يودي بحياة الآلاف من المرضى الذين بحاجة م...
- 20 شهيد وجريح في 3 مجازر لطيران العدوان بمحافظتي صعدة و حجة المرصاد نت - متابعات ارتكب طيران العدوان السعودي الامريكي اليوم الأربعاء 4-10-2017م ثلاث مجازر بحق المدنيين بينهم نساء وأطفال في محافظتي صعدة وحجة. م...
- انجازات وانتصارات الاستخبارات اليمنية الجديدة ونشاطاتها المرصاد نت - النجم الثاقب للاستخبارات اليمنية الجديده ثلاثة انشطة استخبارية ردعية حققت انجازات و انتصارات ساحقة على العدوان والمرتزقة وباعتراف العدوان والم...
- الخلافات المالية تتسع بين الفصائل المسلحة في تعز والإصلاح يسطو على الأموال المرصاد نت - رشيد الحداد في الوقت الذي يتواصل فيه الصراع بين الفصائل المسلحة الموالية لتحالف العدوان السعودي في تعز ولا سيما بين تلك التابعة لحزب «الإصل...
- اليمن .. الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم ... أرقام ومؤشرات أممية المرصاد نت - إبراهيم الوادعي "سنشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم وما لم يتحرك العالم لوقف الحرب في اليمن فإن الوضع الإنساني الكارثي مرشح لمزيد من التدهور". ب...
- زلزال-3 البالستي يدك معسكر رجلاء في نجران المرصاد نت - متابعات أطلقت القوة الصاروخية للجيش اليمني واللجان الشعبية اليوم السبت صاروخيا بالستيا نوع زلزال-3 محلي الصنع على معسكر رجلاء في نجران. وأفاد ...
- حركة خلاص وموقع المرصاد يهنئان شعبنا اليمني والامة العربية والاسلامية بعيد الفطر السعيد المرصاد نت - خاص تتقدم حركة خلاص وموقع المرصاد بأحر التهاني والتبريكات لشعبنا اليمني العظيم والامه العربية والاسلاميه بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد أعاده...
- العدوان السعودي على اليمن يُتوج شهره الثاني بمجازر وحشية ويشن غارات هيستيرية على عدد من ال... قصف صنعاء شن طيران العدون السعودي اليوم الأحد الـ 24 من مايو / أيار 2015 م غارات مكثفة وقصفا هستيريا على العاصمة صنعاء وعدد من المدن والمحافظات،.. ففي العاصمة ...