لم تتّعظ المجموعات «الجهادية» من تجاربها في الشمال اللبناني. تكرّر الأخطاء نفسها وتخلُص إلى النتيجة نفسها. ما الذي يدفع مجموعة مسلّحة تحمل عبء قضية معينة، سواء أكانت محقة أم لا، إلى خوض معركة تعلم مسبقاً أنّها خاسرة؟
لا يختلف اثنان على النتيجة المعلنة لجولة الاشتباكات في طرابلس. تمكّن الجيش من هزيمة المسلّحين. والنتيجة لا لُبس فيها، في الشكل على الأقل، نجح في دفعهم إلى التواري والاختباء وأزال مظاهرهم المسلّحة. تمكن الجيش من نشر حواجزه ونفّذ عمليات دهم في مناطق كانت محرّمة عليه، ولو كلّف ذلك حياة 12 ضابطاً وجندياً، فيما لم تُسجّل خسائر فادحة في صفوف المسلّحين.
أكثر ما يُثير الغرابة لدى استطلاع آراء «الجهاديين» حول المواجهة الأخيرة اعترافهم الصريح بأن نتيجة المعركة كانت متوقّعة، رغم تنويههم بـ«تنكيل المجاهدين بالجيش وتكبيده خسائر فادحة، لكونه ضعيفاً ومكشوفاً، فضلاً عن أنّه غير مؤهل لخوض مواجهات الشارع».
النقاش في ما جرى لا يقتصر على الشمال وحده، بل يمرّ بالبقاع والجنوب مروراً بالمخيمات حيث تتمركز مجموعات ذات هوى متشدد. تتّفق القيادات «الجهادية» على أن الخسارة كانت متوقّعة، وهي شكّلت «صفعة قوية للشباب المسلم في الشمال». وانطلاقاً من المواجهة الأخيرة، تُجري بعض المجموعات جلسات تقويم في جلسات عامة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهي إذ تُجمع على الاعتراف بالخطأ في التوقيت، ترى أنّ حدثاً خارجاً عن السيطرة استدرج المجموعات لتتصرّف بصبيانية وانفعال، لكنّها تؤكد أن «المضي إلى الأمام كان منسّقاً ومخططاً له، لأنه لم تعد هناك إمكانية للتراجع». وتمثّل هذا الحدث في توقيف الجيش أفراد خلية عاصون، وعلى رأسهم المطلوب أحمد سليم الميقاتي. ويقول أحد عناصر «جبهة النصرة» الموجودين في لبنان لـ«الأخبار» إن «مجموعة الشيخ أبو الهدى الميقاتي فتحت المعركة في الأسواق بالتنسيق مع أنصار الدولة في الشمال بعد عملية توقيفه». ويضيف أن «باقي المجموعات انجرّت إلى المواجهة مجبرة، خوفاً من اتهامها بالتخاذل عن النصرة».
لكن ماذا عن «البيئة الحاضنة»؟ الإجابة عن السؤال شبه موحّدة لدى عدد من القيادات «الجهادية» في لبنان والقلمون: «الجماعات الجهادية في لبنان لم تكن يوماً مدعومة من بيئة حاضنة».
وانطلاقاً من هذه «المسلّمة»، توقِن هذه القيادات «أن «بقاء المعطيات الميدانية على حالها يجعل من الاستحالة بمكان إمكانية قلب الواقع اللبناني لمصلحة المجاهدين». يستعيد هؤلاء «الغربة» التي يعيشونها في مجتمعاتهم أصلاً، لذلك هم مقتنعون بأنّ «مجموعاتنا ضعيفة وغير قادرة على فتح معركة مواجهة شاملة في ظل غياب قاعدة خلفية على الحدود للمدد». حتى معركة الشمال، بالنسبة إليهم، «لو طالت فهي بالنهاية خاسرة». أما أحداث الشمال الأخيرة، فتكشف المصادر عن «محاولات جرت للملمتها، لكن الشباب انجرفوا خلف انفعالاتهم». وتشير المصادر إلى أن «ضعف الجيش حمّس الشباب لإطالة أمد المواجهة»، لافتة إلى أن مؤيدي «النصرة» التحقوا بالمعركة لنصرة جماعة «الدولة». وإذ تؤكد المصادر أن معظم الاشتباكات لم تكن مخططة مسبقاً، تشير إلى أنّ «كل المشاركين في الاشتباكات لم يلتزموا الأدوارالموكلة إليهم». وإذ تؤكد المصادر قناعتها باستحالة القدرة على المواجهة المفتوحة في الظروف الراهنة، ترى أن «المطلوب حالياً، وحتى جلاء الصورة، الاقتصار على العمل الأمني المركّز ضمن الصورة الكاملة». وتتحدث المصادر عن «تصرفات غير منضبطة قام بها شادي المولوي، ولا سيما كشفه أن الشيخ أبو مالك التلي، أمر بعدم إطلاق سراح العسكري المخطوف». أما عن إعلان إمام مسجد هارون الشيخ خالد حُبلص «ثورة سنيّة»، فتشير المصادر إلى أن«الشيخ حُبلص أُلزِم بها، وإلا كان سيُتّهم بالتخاذل».
إذاً ما هي الغاية من خوض معركة خاسرة؟ وإذا لم تتعظ هذه المجموعات من التجارب السابقة، بدءاً بمجموعة الضنية، مروراً بجماعة فتح الإسلام، وصولاً إلى الشيخ أحمد الأسير، فبأي منطق تُفكّر وكيف تقيس الأمور؟ ألا يدفع سوء تقدير القدرات العسكرية والبشرية المتكرر إلى الشكّ في «حكمة» هذه القيادات والانفضاض من حولها، بحسب تعبيرات «الجهاديين»؟ الإجابة عن السؤال غير مقنعة. يقول أحد الموالين لـ«لنصرة»: «نعلم أن الجميع ضدنا، لكننا لا نأبه لهم. اجتمع العالم لقتالنا ولم نخش في الله لومة لائم، وغرباء فتح الإسلام مثالٌ قريب». كيف يُترجم هذا الكلام على أرض الواقع؟ ألا يُجهض ذلك إمكانية بناء قوة قادرة على التغيير؟ يردّ بأن «واجبنا يحتم علينا إحياء فريضة الجهاد لرفع الذلة عن أُمّتنا وإعلاء راية الإسلام، أما النتيجة فنحتسبها عند الله الذي وعدنا بالتمكين لتطهير الأرض».
المزيد في هذا القسم:
- مصر: تعديل وزاري وشيك والغاز الإسرائيلي يصل بداية 2020! المرصاد نت - متابعات تترقّب مصر تعديلاً وزارياً خلال أيام بناءً على تقديرات سيادية فيما يتوقع أن يمرره مجلس النواب كآخر التعديلات الحكومية قبل إجراء الانتخابا...
- وسط معارك عنيفة .. الجيش العربي السوري يقترب من خان شيخون! المرصاد نت - متابعات يواصل الجيش العربي السوري عملياته العسكرية في ريف إدلب الجنوبي حيث حرر مزرعتي "محمد قاسم النجم وسيفو" شرق كفر تاب و"تل النار" شرق تل عاس ...
- لافروف: موسكو ودمشق لا تتحملان مسؤولية مقتل الجنود الأتراك المرصاد نت - متابعات أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو أن موسكو ودمشق ليستا مسؤولتين عن الهجوم ا...
- السعوديون مُحبطون من إعلام نظام بلادهم المرصاد نت - رآي اليوم تتفاوت أحكام السعوديين حول إعلامهم المحلي الرسمي منه أو الخاص ويتّجه البعض منهم إلى اتهامه بالتقصير واتباع أجندات خارجية ويراه البعض ال...
- مظاهرات في باريس احتجاجا على الإتجار بالبشر في ليبيا المرصاد نت - متابعات شهدت شوارع العاصمة الفرنسية أمس السبت مظاهرة نظمها مئات المحتجين ضد بيع البشر في ليبيا بعد التقرير الاستقصائي الذي بثته قناة أمريكية مؤخر...
- عملية اغتيال غير موفقة كتب عبدالباسط الحبيشي المرصاد-متابعات نجى مدير منظمة الصحة العالمية تيودووس غيبيريسوس بإعجوبة من عملية الإغتيال التي استهدفته في ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ الماضي تحت غطاء قصف مطار صنعاء رداً ع...
- سوريا تطلب رسمياً أنسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية المرصاد نت - متابعات جددت سورية مطالبتها قوات الاحتلال التركي بالانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي السورية والذي يشكل تواجدها انتهاكا سافرا للقانون الدولي...
- ليبيا: الإفراج عن سيف الإسلام القذّافي المرصاد نت - متابعات أعلنت كتيبة أبي بكر الصديق التابعة للقيادة العامة لـ"الجيش الوطني الليبي" الإفراج عن سيف الإسلام القذافي النجل الأكبر للزعيم الليبي الراحل...
- بعد إسقاط الطائرة المسيّرة: كيف تتمركز البحرية الأميركية؟ المرصاد نت - متابعات تواصل حاملة الطائرات النووية "يو اس اس ابراهام لنكولن" انتشارها في مياه الخليج بالقرب من بحر عمان ترافقها المجموعة الهجومية بقيادة "يو أس...
- البرلمان اللبناني يمنح الثقة لحكومة الحريري بغالبية 110 أصوات! المرصاد نت - متابعات نالت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري أمس الجمعة ثقة البرلمان اللبناني بغالبية 110 نائباً من أصل 116 حضروا مناقشات الجلسة الخامسة وال...