المرصاد نت - متابعات
بعد مفاوضات شاقة استمرت حتى ساعات صباح أمس الأولى نجح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الحصول على اتفاق اللحظة الأخيرة مع المفوضية الأوروبية لإنهاء عضوية بلاده في الاتحاد قبل أقلّ من أسبوعين على انتهاء المهلة المحددة لذلك في 31 تشرين الأول/ أكتوبر. وفي تغريدة كتبها بدا جونسون متفائلاً بتجاوز بلاده قطوع «بريكست»، الذي أنهك الحياة السياسية على مدى ثلاث سنوات ونصف سنة.
لاحقاً ظهر في مؤتمر صحافي مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر منتشياً بزعم الحصول على اتفاق (طلاق) جيّد لكل الأطراف والاستعداد للشروع في ترتيبات تجارة مشتركة بين الجانبين لمرحلة ما بعد «بريكست». اتفاقٌ عُرضت تفاصيله على القادة الأوروبيين المجتمعين في بروكسل وعُلم مساءً أنهم وافقوا عليه ما يعني أن كرة النار باتت في مرمى البرلمان البريطاني للتصديق عليه.
لكن أجواء بروكسل الإيجابية تلك لم تجد لها صدىً كبيراً في بريطانيا نفسها حيث تسبّبت الأنباء الأولية عن تفاصيل مشروع الاتفاق بعواصف انتقادات لاذعة شنّها قادة مختلف الكتل السياسية، ولا سيما أن الترتيب الذي قَبِل به جونسون لحلّ معضلة نقطة الحدود بين شطري إيرلندا كان قد رُفض سابقاً من قبل البرلمان في عهد تيريزا ماي. زعيم حزب «العمّال» جيريمي كوربن وصفه بأنه أسوأ من اتفاق سلَفه الذي رفضه الجميع حينها وأنه «سيقودنا إلى تراجع ملموس في شأن حقوق العمّال وسيعرّض سلامة الأغذية والمواصفات البيئية للخطر، وسيفتح الباب مشرّعاً لرأس المال الأميركي الخاص للاستحواذ على مؤسسة الصحة الوطنية».
ومن أدنبرة عاصمة إقليم اسكتلندا أصدرت الوزيرة الأولى نيكولا سيرجين بياناً رأت فيه أن ما توصل إليه جونسون من اتفاق مع بروكسل، يُعدّ إشارة نهائية إلى ضرورة تحقيق استقلال اسكتلندا والالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي فيما عبّرت الأحزاب الوسطية البورجوازية عن رفضها مضمون الاتفاق، فهاجمته زعيمة حزب «الخضر» كارولين لوكس، بوصفه لعنة ستدفع ثمنها الأجيال المقبلة، وتعهدت زعيمة «الليبراليين الأحرار» جو سوينسون بالشروع فوراً في هجوم مضاد لإسقاط «بريكست» بكليته من خلال الدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي جديد واعتبره حزب «بريكست» أقلّ من المأمول ولا يحقّق سعي البلاد لاستعادة استقلالها من بروكسل.
لكن الصفعة الأقسى لجونسون جاءت من حزب «الديموقراطيين الوحدويين» اليميني في إيرلندا الشمالية ــــ حليف «المحافظين» ــــ والذي اعتبر ما توافق عليه رئيس الوزراء في شأن ترتيبات الحدود مع الاتحاد الأوروبي وانتقال البضائع بين شطرَي إيرلندا، تنازلاً غير مقبول وإضعافاً للمملكة المتحدة لحساب الانفصاليين الذين يريدون توحيد شطرَي إيرلندا في جمهورية واحدة، بعد ما يقرب من 100 عام على تقسيمها وإبقاء ست مقاطعات صغيرة في أقصى شمال الجزيرة تحت حكم التاج البريطاني.
ردود الفعل السلبية وفي ظلّ تركيبة البرلمان الحالي عالي التشظّي تعني أنه قد يستحيل على جونسون إمرار اتفاقه في الجلسة الاستثنائية التي صوتت الغالبية أمس على عقدها السبت لمناقشة مشروع الاتفاق. وإلى المعارضة المعادية لهذا الاتفاق خصوصاً و«بريكست» عموماً فإن خسارة الحكومة لتأييد شريكها «الديموقراطيين الوحدويين» كما خسارة كتلتها لـ 21 نائباً معارضين لـ«بريكست» من داخل «المحافظين» ستضع مصير الاتفاق في أيدي نواب «العمّال» المعارض الذين وإن انحاز يمينيّوه من أتباع توني بلير موضوعياً إلى صف جونسون فإن غالبيتهم تعتقد جازمةً بأن خطوة مثل تلك تعني انتحاراً سياسياً لهم في أي انتخابات مرتقبة.
ويبدو مشروع الاتفاق الذي توصّل إليه جونسون حافلاً بنقاط ضعف وتناقضات سياسية وبغموض التفاصيل التقنية لمواده الأهم. كذلك يبدو معتمداً على طموحات غير واقعية في شأن قدرة حكومة جلالة الملكة على إبقاء كل الكرات معلّقة في الهواء في وقت واحد. ومن هنا، فإن إمراره في البرلمان، إن حصل، سيكون موضع خلاف دائم وسيعقّد المسألة الإيرلندية، ويفتح باب سعي اسكتلندا ــــ وربما ويلز ــــ للتخلّص من حكم لندن.
أبرز نقاط الضعف تلك، لا شكّ تتعلق بقبول جونسون اعتبار إيرلندا الشمالية منطقة خاضعة لنظامين جمركيين في آن واحد: أوروبي وآخر بريطاني مع إجراءات إضافية معقدة لضمان تحقّق مواصفات الاتحاد الصارمة نسبياً على أي بضائع قد تعبر إيرلندا الشمالية نحو أوروبا، سواء عن طريق دبلن (جمهورية إيرلندا) أو عبر البحر. وقد اشترط الأوروبيون موافقة برلمان الإقليم على هذه الترتيبات كل أربع سنوات أو تبقى كما هي ما يعني عملياً أن إقليم إيرلندا الشمالية سيكون نوعاً من منطقة أوروبية وإن بترتيبات خاصة ومن دون نقاط حدود برية مع الجمهورية في الجنوب.
المراقبون في العاصمة البريطانية متفقون على أن خطورة الاتفاق ليست مقتصرة على نقاط ضعفه بقدر ما هي في طبيعة الصلاحيات التي سيمنحها لحكومة اليمين المحافظ في تفكيك تشبيك الاقتصاد البريطاني مع الاتحاد الأوروبي لمصلحة تحالف معمّق بديل مع واشنطن. وتلك مسألة لن تتحقّق بسهولة أو على المدى القصير وسيكون لها حتماً تأثيرات سلبية مباشرة على الأجور، ومستويات الدخل وحقوق العمال وحقوق الإنسان كما تصفية أكيدة لمعقل القطاع العام الأخير في المملكة.
يدرك الأوروبيون كل تلك التعقيدات؛ ولذلك، فلا يُستبعد أنهم بتوصُّلهم مع جونسون إلى هذا الاتفاق المعدّل قليلاً عن اتفاق ماي السابق إنما هم يمدّون له الحبل كي يشنق نفسه أمام برلمان منقسم بشدّة وهو ما قد يفتح باب فوضى سياسية تسقط الحكومة الحالية وتأتي بأخرى ولو موقتة تعيد النظر في مشروع «بريكست» من حيث المبدأ.
المزيد في هذا القسم:
- بدء فعاليات إحياء الذكرى الـ7 للثورة في البحرين المرصاد نت - متابعات انطلقت المرحلة الاولى من فعاليات احياء الذكرى السابعة لانطلاق ثورة 14 فبراير الفين واحد عشر عبر الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات. وخر...
- إيران في عين العاصفة الأميركية.. عداء تاريخي ورغبة جامحة بالانتقام المرصاد نت - متابعات لم يخفِ الرئيس ترامب حقيقة موقفه الداعم والمؤيد للمظاهرات التي حدثت في إيران في الساعات الأخيرة لأفول العام الماضي وبزوغ العام الجديد ...
- القاهرة.. توتّر مع واشنطن .. وحدود مُلتهِبة جنوباً وغرباً! المرصاد نت - محمد منصور عقب إعلان الصحافة الروسية عن توقيع مصر مع موسكو على صفقة شراء أعداد من مقاتلات السيادة الجوية الأحدث في الترسانة الروسية "سوخوي 35" تتا...
- الصين تُحذّر الولايات المتحدة: سنردّ بشكل صارم ! المرصاد نت - متابعات أكّدت وزارة الخارجية الصينية أنّها سترد على الخطوات الأميركية وعقوباتها على بكين بشأن قانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ. الردّ الأول ...
- ليبيا : ماكرون يواجه السراج بـ«الأمر الواقع»: لوقف القتال من دون انسحاب ! المرصاد نت - متابعات بينما يستمر القتال في العاصمة الليبية طرابلس وصل فائز السراج إلى باريس أمس ضمن جولة أوروبية لحشد الدعم لحكومته. ورغم حفاوة الاستقبال إلا ...
- دعوة جونسون إلى انتخابات مبكرة تُربك الأوروبيين! المرصاد نت - متابعات انتقلت الأجواء الضبابية المسيطرة على المملكة المتحدة بشأن «بريكست» إلى أروقة الاتحاد الأوروبي أمس. فبعدما كان من المفترض أن يتخذ سفراء دو...
- تكاليف باهظة.. هكذا تنجو السعودية من قانون 'العدالة ضد الارهاب' ! المرصاد نت - الوقت نزل القرار الذي أصدره الكونغرس الأمريكي تحت مسمّى "قانون العدالة ضد الارهاب" والذي يجيز لعائلات ضحايا هجمات 11 ايلول (سبتمبر) مقاضاة دول مثل...
- فيسك: خطاب ترامب للعالم الإسلامي هو خطاب النفاق في بلد التطرف الوهابي المرصاد نت - متابعات قالت صحيفة الاندبندنت اليوم الاثنين في مقال للكاتب الشهير روبرت فيسك: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه خطاباً للعالم الاسلامي وكل خطاب...
- إخلاء سبيل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك المرصاد نت - متابعات عاد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الى منزله بعد بقائه في مستشفى المعادي العسكري خلال النظر في القضايا التي كان يحاكم بها. وأفادت وسا...
- تفجير ثلاثة آبار نفطيه غربي كركوك ومقتل أكثر من 100 تكفيري شمال الموصل المرصاد نت - متابعات فجر مجهولون اليوم الأربعاء ثلاثة آبار في حقل خباز النفطي غربي كركوك (250 كم شمال بغداد) تم تفجيرها بعبوات ناسفة.وأفاد موقع “المد...