المرصاد نت - متابعات
بينما يترقّب العالم ردّ حزب الله على العدوان الاسرائيلي في سوريا ولبنان، يتراجع وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو عن إعلانه في وقوف واشنطن مع نتانياهو في المعركة المرتقبّة. لكنه لا يسأل الله ردّ القضاء إنما يسأله اللطف فيه.
لحظة العدوان الإسرائيلي على مقرّ حزب الله في عقربا السورية وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت، لم يتبنَّ الرواية الاسرائيلية في تبرير العدوان "ضد إيران" سوى مايك بومبيو الذي تعهّد بوقوف واشنطن مع "إسرائيل" ووزير الخارجية البحريني خالد بن حمد آل خليفة بذريعة "حق الدفاع عن النفس". فالأصوات المعهودة في دفاعها عن "اسرائيل" التي تعبّر عن دعمها في الدول الغربية وفي دول خليجية، لاذت بالصمت الحذِر لكنها لم تذهب إلى ما ذهبت إليه بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية في تحميل نتانياهو مسؤولية مغامرة شديدة عواقبها.
لعلّ صمت ترامب والدول الأوروبية في قمة "بياريتس" الفرنسية للدول السبع أثناء العدوان وتهديد حزب الله بالردّ، يُنبؤ في هذا الشأن أن نتانياهو لم يكن في عدوانه على قلب رجل واحد مع ترامب والدول الغربية كما جرت العادة. وأنه لم يتبقّ من فريق الحرب كما أسماه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سوى نتانياهو وبومبيو وبولتون، بينما يدلّ المناخ السياسي في "بياريتس" أن ترامب لا يعوّل على الحرب الاميركية ضد إيران ولا يعوّل على "اسرائيل" في استعادة دور الشرطي الأميركي الاقليمي. وهذا ما يدلّ عليه الصمت السعودي في هذه الأثناء انعكاساً لمزاج ترامب السياسي.
الفجوة الواسعة بين ما تعيشه المستوطنات الاسرائيلية من هلع وما يعيشه الأهالي على الجانب الآخر في الجنوب اللبناني من حياة الثقة بالنفس، يكشف أن "اسرائيل" لم تعد قادرة على أداء دور الشرطي الأميركي الاقليمي ولا هي قادرة على جرّ أميركا إلى حرب تؤدي إلى حرب مع إيران وفق مراهنات فريق "الباءات" الأميركي ــ الخليجي. وفي هذا الإطار ربما ينكفأ محمد بن سلمان إلى الاستعانة بترامب لحل مأزقه في اليمن بعد مناورة محمد بن زايد للنأي بالنفس عن تحالفه في العدوان على اليمن والتحريض ضد إيران.
\نتيجة ما تكشف عنه قدرات إيران في معادلات الرعب مع أميركا وما تكشف عنه قدرات حزب الله ومحور المقاومة في معادلات الردع مع اسرائيل، تحاول الدول الغربية الداعمة لإسرائيل الدعوة "إلى التهدئة" بعد تهديد الأمين العام لحزب الله بالرد على العدوان الاسرائيلي. فنائب مندوبة بريطانيا في الأمم المتحدة جوناثان آلان لا يستطيع الدعوة إلى التهدئة من دون إدانة "الانتهاك الاسرائيلي لسيادة لبنان". وهو ما حاول تمريره الموفد الخاص للأمم المتحدة بان كوبيتيش في لقائه مع الرئيس اللبناني ميشال عون وفي هذا السياق يستجدي مايك بومبيو التهدئة في حديثه مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، آملاً ألّا يؤدي رد حزب الله إلى تصعيد خطير ضد اسرائيل ودليلاً على أن زمن زخم التحريض الأميركي في لبنان ضد المقاومة قد مضى وانقضى.
الجبهة السياسية في لبنان موّحدة خلف حزب الله كما عبّر الرئيس ميشال عون في وصفه العدوان الاسرائيلي بمثابة إعلان حرب وفي إعلانه حق لبنان بالدفاع عن سيادته وسلامة أراضيه. وكما عبّر المجلس الأعلى للدفاع وكما عبّر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. وكما يعبّر اللبنانيون في قناعتهم العميقة استناداً إلى تجربة طويلة بأن عدم ردع اسرائيل يفتح شهية نتانياهو في مراهناته على استباحة لبنان وارتكاب الجرائم المستدامة والعودة إلى ما قبل إرساء حزب الله قواعد الاشتباك في توازن الردع والرعب.
في المقابل تكاد وسائل الاعلام الاسرائيلية مجمعة على أن ردّ المقاومة محتوم آملة أن يقوم حزب الله بردّ سريع لإراحة أعصاب الاسرائيليين الذين يعدّون الدقائق والساعات. لكن حزب الله لا يردّ من أجل الردّ فهو على ما يبدو بحسب خطاب السيد حسن نصر الله يردّ منعاً لمحاولة نتانياهو إرساء مسار للعدوان في ارتكاب الجرائم من دون رد. وكذلك إرساء قواعد اشتباك أكثر تطوراً من قواعد الاشتباك السابقة التي يحاول نتانياهو خرقها في الطائرات المسيّرة وفي حرية الحركة تحت سقف الخطوط الحمراء. فالسيّد اختصر قواعد الاشتباك الجديدة بكلمة "خلّيهم ينضبّوا".
كيف وأين احتمالات ردّ حزب الله؟
قطَع السيِّد حسن نصرالله الطريق على أيّ تأويلٍ أو تخمينٍ بما يرتبط بالرَدّ على الاعتداءات الصهيونية وحَسمَ الأمر واضِعاً الرَدّ ضمن باب الضرورات التي تحمي لبنان، مؤكِّداً على حتميته ولو بعد حين مُحدِّداً المكان من دون إلزام نفسه والمقاومة بزمنٍ دقيقٍ تارِكاً الأمر للقيادة العسكرية للمقاومة لتحديد الهدف أو الأهداف، نافياً ان يكون الرَدّ في مزارع شبعا لأسبابٍ ترتبط بطبيعة الاعتداءات وحجمها ومخاطرها، فالرَدّ في مزارع شبعا محصور مكانياً في البُعد الموضعي ولن يؤدِّي إلى إيصال رسالة الردع المطلوبة للعدو الصهيوني رغم أنّه ليس مُستبعداً حصول ردّ واحد من مزارع شبعا ومكان أو أمكنة أخرى من لبنان.
الاعتداء الذي نفَّذته طائرات مُسيَّرة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت هو في عُمق لبنان، والطائرات الحربية التي أطلقت صواريخها من فوق الجولان المحتل ووصل بعضها إلى المنزل الذي استشهد فيه مُقاتلان من حزب الله هو عند أطراف دمشق أي في العُمق الحيوي لسوريا.
على هذا الأساس فإنّ الرَدّ سيكون مُتناسِباً في المكان والزمان ليؤدِّي غرض الردع، وسيكون محصوراً بمواقع عسكرية ذات طابع حيوي والأهداف التي تحمل هذا الطابع داخل فلسطين المُحتلة كثيرة ومكشوفة بغالبيتها، وهو ردّ سيكون فاعِلاً وحاسِماً يضمن أمن لبنان وسيادته وسيكون بطريقةٍ تحرم القيادة الصهيونية من الاستثمار السياسي في الداخل الصهيوني، وسيفعِّل مُعادلات الردع ويُثبِّت قواعد الاشتباك لمصلحة لبنان والمقاومة ومحور المقاومة.
فعلى مدى عقود ومنذ نشوء الكيان الصهيوني وبسبب التفوّق الجوي لسلاح الجو الصهيوني، ركَّزت العقيدة العسكرية الصهيونية على مبدأ الحرب الخاطِفة والسريعة، وأبقت العُمق الصهيوني آمِناً لفترةٍ طويلةٍ حتى عام 2006 حيث تغيَّرت خلاله مفاهيم المواجهة وأدواتها وأصبحت ما يُسمّيه الصهاينة بـ"الجبهة الداخلية" مكشوفة وهشّة مقابل مستوى عالٍ من المرونة والفاعلية اكتسبتها المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من خلال الاستخدام الفعَّال لصواريخ أرض – أرض ومنظومات المُضاد للدروع ومنظومات مُضادّة للقِطَع البحرية وغيرها، ما أفقدَ الجيش الصهيوني وجبهته الداخلية الحصانة التي بقيت راسِخة فترة طويلة من الزمن.
أما بما يرتبط بالرَدّ فهو كما أعلنه السيِّد حسن نصرالله سيكون ردّاً مُزدوِجاً يرتبط بالمُسيَّرات الصهيونية وبقتل عناصر حزب الله في سوريا.
وبخصوص المُسيَّرات فقد جاء ردّ السيِّد نصرالله واضِحاً انّ لبنان لن يبقى مسرح عمليات لهذه الطائرات سواء كانت تؤدّي مهمات الاستطلاع أو مهمات قتالية كالمهمة التي كانت موكَلة للمُسيَّرتين اللتين سقطتا في الضاحية الجنوبية، حيث بات واضحاً أنّ كلا المُسيَّرتين كانتا تحملان مواد مُتفجِّرة وهو ما تمّ كشفه من خلال تفكيك "الدرون M- 600" الصغيرة التي تعطَّلت إمّا بفعل فُقدانها لإشارة الربط أو بفعل الحجارة التي رماها شبّان حيّ معوّض عليها، وهي في كل الأحوال انخفضت إلى هذا المستوى إمّا لزرع عبوة مُتفجِّرة أو تفجيرها في هدفٍ مُحدَّد.
وقبل الدخول في شرح ما إذا كانت المقاومة قادِرة على إسقاط المُسيَّرات الصهيونية لا بدّ من توضيح أمر دخل في دائرة الجَدَل حول المُسيَّرتين وما إذا كانتا فعلاً مُسيَّرات صهيونية بسبب عدم صلاحية الدرون الصغيرة لقطع مسافات طويلة، وعدم لحظها على الرادارت اللبنانية من اتجاه البحر وهي كلها تبريرات لا تنفي احتمالاً وحيداً وهو إسقاط المُسيَّرة الكبيرة للمُسيَّرة الصغيرة والتحكّم بها من الأعلى، وهو ما يُفسِّر انقضاض المُسيَّرة الكبيرة لتنفيذ المهمة التي عجزت عنها المُسيَّرة الصغيرة مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المُسيَّرتين يتمّ التحكّم بهما بواسطة إشارات ربط عبر الأقمار الصناعية وهي أمور بسيطة تقنياً ومتوافرة لدى الجيش الصهيوني.
وعمّا إذا كان حزب الله قادِراً على التعامُل مع المُسيَّرات وإسقاطها فالأمر كما جاء على لسان السيِّد نصرالله مُتوافِر ومُمكن، حين أكّد أن المقاومة كانت قادِرة على إسقاطها منذ زمن ولم تفعل تحاشياً للدخول في جَدَلٍ سياسي بسبب الإنقسام الحاصِل في لبنان حول سلاح المقاومة، ولكن الوضع تغيَّر الآن فالكيان الصهيوني يحاول في لبنان كما في العراق وسوريا إرساء وتثبيت قواعد اشتباك تتلاءم مع مصالحه وهو ما لن تسمح به المقاومة في لبنان والعودة بالأوضاع إلى ما قبل العام 2000.
على المستوى التقني يمكن للمقاومة إسقاط المُسيَّرات الصهيونية إما بالوسائل النارية سواء كانت مُضادَّات أرضية أو صواريخ مُضادَّة للطائرات، أو بتقنيات الحرب الإلكترونية وهي التقنية المُرجَّح استخدامها رغم امتلاك المقاومة للوسائِط النارية الكافية للتعامُل مع المُسيَّرات سواء كانت الصغيرة أو الكبيرة ولكن إسقاطها بواسطة تقنيات الحرب الإلكترونية سيؤدِّي إلى نتائج مُضاعَفة في أهداف الردع مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام مُسيَّرات المقاومة بمواجهة المُسيَّرات الصهيونية والعديد من الوسائل والأساليب الإبداعية التي تمتلكها العقول المُخطِّطة في المقاومة.
على المستوى الثاني المُرتبِط بالرَدّ على استهداف عناصر حزب الله في سوريا، فالمقاومة ألزَمَت نفسها عبر السيِّد نصرالله بالرَدّ على أيّ استهداف لعناصر الحزب سواء حصل هذا الاستهداف في لبنان أو في سوريا أو في أي مكان آخر، وهو التزام لا يمكن للمقاومة أن تتنصّل منه لأنه يُفقِدها المصداقية والهيبة وهما عنصرا الفعل الأساس لها.
وانطلاقاً من هذا الالتزام وما أضاف إليه السيِّد من تحديد لمكان انطلاق الرَدّ والمساحة التي ستكون مكاناً للرَدّ وهي من لبنان وفي كل فلسطين المحتلّة.
أمّا كيفيات وأساليب وأدوات الرَدّ فهي جميعها مُتاحة لدى المقاومة ابتداءً من استهداف الدوريات الصهيونية على خط الحدود اللبنانية – الفلسطينية مروراً بمواقع القيادة والسيطرة، وصولاً إلى أيّ هدفٍ تختاره المقاومة في عُمق فلسطين المحتلة ترى أنّه يُحقِّق غاية الردع ويُثبِّت قواعد الاشتباك الحالية وربما تكسرها وتتجاوزها لإحراج القيادة الصهيونية.
وقد يتساءل البعض ما إذا كان ردّ المقاومة سيذهب بالأمور إلى المواجهة الشامِلة وهو احتمال وارِد وإن بنسبة مُتدنيّة بالنظر إلى طبيعة التعقيدات التي تُحيط بالوضع الصهيوني، سواء على مستوى الداخِل او على مستوى التحوّلات الكُبرى والتبدّل في موازين القوى الحاصِلة في المنطقة والتي يسير خطّها البياني صعوداً لمصلحة محور المقاومة وهبوطاً بما يرتبط بالكيان الصهيوني وداعميه.
أمر أخير لا بدّ من ذِكره وهو أن الغالبية من القوى السياسية اللبنانية ترى في ردّ المقاومة ضرورة لحفظ سيادة لبنان، إضافة إلى الموقف الشُجاع والطبيعي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والموقف المُعتاد لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وموقف قيادة الجيش اللبناني وهي مواقف ستشكِّل مظلَّة رسمية كل من موقعه ستؤكِّد جدوى وأهمية مقولة الثالوث المُقدَّس الذي حمى وسيحمي لبنان، الشعب والجيش والمقاومة.
قراءة : قاسم عزالدين ‘ عمر معربوني
المزيد في هذا القسم:
- أحداث لبنان: صراع على مفصل الحلّ الإقليمي ! المرصاد نت - متابعات لا يختلف اثنان على أحقية المطالب التي ترفعها التحرّكات الجارية في لبنان ولا على مستوى الفساد الذي طعن في السلطة ولا مستوى الانهيار الذي ب...
- ارتفاع ضحايا تفجير في بغداد إلى 51 قتيلا وعشرات الجرحى المرصاد نت - متابعات ارتفع عدد ضحايا هجوم بسيارة مفخخة في منطقة البياع جنوبي بغداد اليوم الخميس تبناه تنظيم "داعش" إلى 51 قتيلاً وعشرات الجرحى حسبما ذكرت وسائ...
- مصر... ارهاب عبر النيل المرصاد نت - القاهرة من شبه جزيرة سيناء الى دلتا النيل في مصر انتقل الارهاب حاملا معه لكل من يقف في طريقه واولهم رجال الشرطة الذين قتل منهم 8 في منطقة حلوا...
- سوريا : جولة جديدة من محادثات أستانا غداً بحضور «مكتمل» المرصاد نت - متابعات وسط توتر داخل منطقة «خفض التصعيد» وعلى بعض خطوط التماس تنطلق اجتماعات جولة جديدة من محادثات أستانا بحضور «مكتمل» ...
- خسائر الإعصار هارفي على تكساس قد تصل 90 مليار دولار المرصاد نت - متابعات أعلنت شركة آر.إم.إس المتخصصة في تقييم المخاطر أمس الأربعاء إن إجمالي الخسائر الاقتصادية التي سببتها العاصفة المدارية "هارفي" في الولايات ...
- مستقبل العلاقات السعوديّة - الأميركيّة ومصير بن سلمان ! المرصاد نت - متابعات هل قُضيَ الأمر؟ هل تمّ ترتيب الصفقة وباتَ إعلانُها مسألة أيّام معدودة؟ الثلاثي الأميركي - التركي - السعودي أرادَ لفلفة القضيّة بسرعة على ...
- فتاوى "آل الشيخ": عندما تعجز السعودية في الدين كما في السياسة المرصاد نت - متابعات مرّة أُخرى تستخدم السعودية سلطتها الدينية ممثّلةً بالمفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حيث أثارت تصريحاته حول دعوة ا...
- فشل وزراء خارجية مجموعة الـ20 في التوافق على بيان ختامي.. ولافروف يلوم هؤلاء المرصاد-متابعات أعلن وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، الخميس أن اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين لم يتمكن من التوصل إلى توافق لإصدار بيان ختامي مش...
- تواصل الاحتجاجات في عدة مدن وسط انقطاع التيار الكهربائي عن السودان ! المرصاد نت - متابعات احتشد محتجون سودانيون في بعض ساحات الخرطوم وأم درمان بعد دعوة من تجمع المهنيين السودانيين. ورافق الاحتجاجات انتشار واسع لشرطة مكافحة الشغ...
- الرياض تمهّد لـ«صفقة القرن»: إحياء «يوم القدس» ممنوع! المرصاد نت - متابعات بينما اكتمل المثلث الخليجي، البحريني والسعودي والإماراتي في إظهار دوره بدقة في الجانب الاقتصادي حالياً من «صفقة القرن» يتواصل الضغط الأمي...