«أستانا» يختتم اجتماعاته على وقع التصعيد الميداني !

المرصاد نت - متابعات

أعاد التوتر على حدود منطقة «خفض التصعيد»، تزامناً مع انعقاد جولة محادثات «أستانا» الثانية عشرة الأجواء التي رافقت جولات التفاوض في جنيف حينما كانت تزداد سخونة الميدان قبيل astana2019ز4ز24موعد كلّ منها. غير أن التصعيد الحالي، على خلاف سنوات الحرب الأولى لا يبدو قابلاً للانزلاق نحو معارك واسعة تفضي إلى تغييرات في خريطة السيطرة؛ إذ لا تزال تفاهمات «ضامني أستانا» حتى الآن تصبّ في مصلحة السعي إلى «حل غير عسكريّ» لملف إدلب ومحيطها. وقلّص هذا الخيار وما دعمه من ظروف ميدانية وسياسية «خارجية» ديناميكية «محادثات أستانا» ولا سيما أن مسار تشكيل «اللجنة الدستورية» لم يشهد أي اختراق لافت بعد. هذا الجمود تُرجم خلال الاجتماعات الماضية كما ينتظر أن يرخي بثقله على البيان الختامي الذي سيصدر اليوم عن المجتمعين في العاصمة الكازاخية نور سلطان التي كانت تسمّى أستانا قبل أشهر قليلة. تغيير اسم المدينة لن ينسحب على منصّة المحادثات وسيتفق «ضامنوها» على موعد جديد لعقد جولة جديدة منها تحت اسم «أستانا 13».

لقاءات اليوم الأول جاءت وفق أعراف الجولات السابقة؛ اجتماعات ثنائية منفصلة تُمهّد لليوم الختامي وانعقادٌ للجنة متابعة ملف المختطفين والمعتقلين وتبادل الجثامين. وقد يكون أبرز ما تغيّر عن الجولة الماضية هو حضور غير بيدرسن مبعوثاً أممياً بدلاً من دي ميستورا وغياب حسين جابري أنصاري عن رئاسة الوفد الإيراني لحساب خلفه علي أصغر خاجي الذي تولّى مهمة كبير مساعدي وزير الخارجية منتصف الشهر الجاري.

ولم يخرج عن الوفود المشاركة أي تصريحات إعلامية لافتة سوى تأكيد رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتيف، نقاش «مكافحة الإرهاب» و«اللجنة الدستورية» وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار. في حين رددت القنوات الدبلوماسية الروسية صدى التصعيد الميداني مؤكدة أن الوضع في إدلب «لا يجب أن يستمر على حاله». إذ لفتت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زخاروفا إلى أن «التقارير تتحدث عن مساع لهيئة تحرير الشام، لإعادة هيكلة نفسها وتحويل عناصرها إلى معارضة معتدلة» فيما قال نائب المبعوث الروسي إلى الأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف، إن «الوضع في إدلب لا يزال غير مستقر... فمسلحو جبهة النصرة يواصلون هجماتهم على القوات الحكومية» مضيفاً إن بلاده تواصل العمل مع تركيا من أجل «التوصل إلى حل مستدام لقضية إدلب».

على الأرض استهدفت عدة صواريخ لم تتبنّ أي جهة إطلاقها مناطق في محافظتي اللاذقية وحماة. وسقط أحدها في حي الرمل الجنوبي في اللاذقية مخلفاً أربعة إصابات وأضراراً مادية في منازل سكنية فيما توزعت باقي الصواريخ بين منطقتي صلنفة وجورين. وفي المقابل استهدف الجيش السوري مواقع في ريفي حماة وإدلب عبر سلاحي الجو والمدفعية وخاصة قرى قسطون والزقوم وقليدين في ريف حماة وخان شيخون في جنوبي إدلب.

وترافق انعقاد جولة «أستانا» مع تظهير عدد من الصحف الروسية لما وصفته بالأجواء السعودية الإيجابية تجاه دمشق وربطت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» هذه الأجواء بالزيارات اللافتة التي أجراها مسؤولون سعوديون إلى موسكو وكان آخرها لقاء نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على هامش «مؤتمر الأمن» الذي عقد في العاصمة الروسية. أما صحيفة «كوميرسانت»، فقد نقلت في أحد تقاريرها عن مصادر مطّلعة على محادثات «أستانا» قولها إن الجانب الروسي «غير راض عن موقف دمشق المتصلّب في ملف اللجنة الدستورية» وإن «الطريقة الوحيدة لكسر الجمود هو ممارسة الضغط على دمشق». واعتبر أحد المصادر في حديثه للصحيفة أن الدعم الروسي لحل «الأزمة غير المسبوقة في المحروقات في سوريا... يمكن أن يكون طريقاً للحصول على تنازلات سياسية».

الناجون من «ركبان الموت»

انتهت خلال اليومين الماضيين سنوات العزلة الإجبارية لنحو ثلاثة آلاف سوري، كانوا عالقين في مخيم الركبان قرب ملتقى الشريط الحدودي مع الأردن والعراق بعدما عبروا إلى مناطق سيطرة الحكومة. المشهد عند معبر جليغيم في البادية السورية يحاكي موسم الهجرة الربيعي نحو الشمال. مئات المدنيين يفترشون أسفلت الطريق ورمل الصحراء الساخن في انتظار إنهاء الإجراءات الرسمية مثقلين بذكريات سنوات عاشوا فيها أمرّ الظروف.

رحلة مغادرتهم المخيم لم تكن بدورها أقلّ قسوة وصعوبة. يروي أبو عبد الله التدمري الذي أنهى عقده السادس تفاصيل عبوره عشرات الكيلومترات في صحراء قاحلة بين الركبان ومعبر جليغيم فيقول: «لم تكن هناك إمكانية للمغادرة فالقوات الأميركية والإرهابيون كانوا يمنعوننا من الخروج... ضليت بالمخيم خمس سنين وكأني بسجن، بسّ كبير، راح الخوف لحظةَ وصلنا إلى نقاط الجيش السوري». ويضيف شارحاً ظروف العيش داخل المخيم: «الخيام هناك مجرد أقمشة، والقماش يبقى قماشاً، لا يقي من حرّ ولا برد... كلّ عمري بكفّة وهالخمس سنين بكفّة ثانية». ينظر أبو عبد الله وراء ظهره ويقول: «الحمد لله خلصنا من ركبان الموت».

فوق حرّ الطريق الصحراوي تروي العجوز السبعينية نشميّة قصّتها : «صارلي بالركبان أربع سنوات كنا عايشين من قلة الموت... قلبي فرفح لما وصلت سوريا حسّيت وكأن الرّوح رجعتلي». تستأنف نشميّة حديثها بعد شربها الماء: «كان حلمي إنو عيش آخر أيامي ببيتي حتى لو كان مدمر». الحلم نفسه يحضر على ألسنة معظم الخارجين. تقول أم حياة وهي تحمل ابنتها ذات الأيام السبع: «كنا نربي أطفالنا على أمل العودة» وتلتفت إلى ابنتها وتخاطبها: «الله يجعلك من اسمك نصيب».

يفتّش الجنود السوريون الحافلات الخارجة من الركبان ويأخذون البيانات الشخصية للمدنيين لتُسجّل في قوائم موثّقة ليُنقَلوا بعدها إلى مراكز إيواء خُصّصت لهم في مدينة حمص. يعلّق أحد ضباط الجيش المشرفين على تلك العملية: «هؤلاء أهلنا وواجبنا حمايتهم وتسهيل عودتهم». لا يُعرف بدقّة العدد الباقي من المدنيين داخل المخيم ولكنه يُقدّر بالآلاف. تتقاطع الروايات حول الخروج من المخيم لتؤكد أن مغادرته كانت تتطلب سابقاً دفع مبالغ طائلة لبعض المهربين وأفراد الجماعات المسلحة هناك مقابل مساعدتهم في اتباع الطريق الصحراوي نحو مناطق الحكومة السورية.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية