المرصاد نت - متابعات
قرار الحكومة الفرنسية اللجوء إلى الجيش لمساندة قوات الشرطة المستنفرة لمواجهة أعمال الشغب التي تقع على هامش تظاهرات «السترات الصفر» أثار مرة أخرى غضب الأحزاب السياسية المعارضة. فمن «فرنسا المتمردة» التي يقودها جان لوك ميلانشون، إلى «التجمع الوطني» الذي ترأسه مارين لوبن، مروراً بـ«الحزب الاشتراكي» بزعامة أوليفييه فور، وحتى بعدد من «جمهوريي» لوران فوكييز الجميع يدين بصوت واحد قراراً «بغيضاً» وخطراً. وبمعزل عن البعد الرمزي المتضمّن في توظيف عملية «حراسة» المخصصة لمكافحة الإرهاب في سياق صراع اجتماعي يخشى هؤلاء أن يقود زج العسكريين فيه وهم غير مدربين على عمليات حفظ النظام إلى استخدام للرصاص الحي وسقوط قتلى.
جان لوك ميلانشون توجه إلى الحكومة، في برنامج تلفزيوني على قناة «BFMTV» ضم أبرز قادة الأحزاب بالقول: «لقد جننتم! الجنود ليسوا شرطة». وقد استحضر بعض الناشطين اليساريين الذين يتقدمون الصفوف بين ناقدي هذا القرار، الذكرى المشؤومة لإضرابات عمال المناجم عام 1948 آخر نزاع اجتماعي استخدم خلاله الجيش لسحق انتفاضة «الوجوه السوداء».
«تروما» الذاكرة العمالية
هذا الحدث الذي بقي «تروما» حقيقية في الذاكرة العمالية مرّت عليه السنة الماضية 70 عاماً تخلّلتها عقود من النضال من قِبَل عائلات الضحايا للحصول على اعتراف السلطات بالظلم الذي لحق بهم. عام 1948، مع بداية الحرب الباردة كانت فرنسا في المراحل الأولى من تعافيها من الحرب العالمية الثانية. وقد أضيفت إلى نظام توزيع الحصص الغذائية الذي كان لا يزال مستمراً وللتضخم المتعاظم والإنتاج الصناعي الضعيف، توترات اجتماعية ونقابية عنيفة. فالكونفدرالية العامة للعمل دخلت في مواجهة مفتوحة مع الحكومة بعد إقالة الوزراء الشيوعيين بينما كان الصراع يتصاعد بين القوتين العظميين الأميركية والسوفياتية.
في هذه الظروف الشديدة الاضطراب اندلعت انتفاضة عمال المناجم عام 1947 وتواصلت عام 1948. ومع دوام الإضراب لأسابيع طويلة سمحت السلطة التنفيذية باللجوء إلى الجيش لضمان حفظ النظام إلى جانب الوحدات الجمهورية للأمن التي شُكِّلَت بعد الحرب. وفي مواجهة 350 ألف عامل مضرب أمرت هذه السلطات باحتلال المناجم، وبفرض حظر التجوال وسمحت باستخدام الرصاص الحي. وبمناسبة هذه المعركة الاجتماعية عُمِّم استخدام أدوات حفظ النظام، كالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه التي لا تزال مستعملة حتى اليوم. حصيلة القمع العسكري والبوليسي للانتفاضة التي سحقت كانت ستة قتلى وآلاف الجرحى، يضاف إليهم فصل 3000 عامل منجم من العمل.
الجيش لن يكون في الصف الأول
لقد تطلّب الأمر انتظار وصول الاشتراكيين إلى السلطة عام 1981 حتى يبدأ مسار إعادة الاعتبار لمنتفضي عام 1948. وقد أقرّ القضاء في 2011 بالطابع التمييزي للفصل التعسفي من العمل الذي جرى بحق العمال. وعلى الرغم من أن هذه الحقبة من تاريخ فرنسا لا تؤرق الذاكرة العسكرية، يبدي الجنود انزعاجاً مؤكداً من فكرة حفظ النظام الداخلي، بحسب الأستاذة الجامعية والباحثة بنديكت شيرون. «منذ أواخر القرن التاسع عشر، يعتبر العسكريون مهمات حفظ الأمن الداخلي متناقضة مع التزامهم القتال دفاعاً عن الوطن.
هذا سبب ارتياحهم عند إنشاء وحدات الدرك السيار في فترة ما بين الحربين» وفقاً لمؤلفة «الجندي غير المعروف الفرنسيون وجيشهم». سببت عملية «حراسة» وما رافقها من انتشار كثيف للجنود في أنحاء البلاد للتصدي للتهديد الإرهابي الإرباك في داخل الجيش. ويأتي تدخله على هامش صراع اجتماعي، حتى ولو كان مؤقتاً، كما تحذر شيرون «ليشكل انزلاقاً من عملية عسكرية إلى عملية حفظ نظام، ما سيؤثر سلباً في معنويات القوات». الثابت اليوم أن الـ«تروما» بدأت تفعل فعلها لدرجة دفع الحكومة الحالية لاستبعاد مواجهة محتملة بين العسكريين والمتظاهرين من «السترات الصفر». «لا أعتقد أن الجنود سيطلقون النار على المتظاهرين. علينا التنبه إلى ضرورة عدم إثارة المخاوف وتخيل وصول الأوضاع إلى الحدود القصوى. لسنا في أوضاع كهذه الآن»، بحسب الوزيرة إيمانويل وارغون.
كرّر مصدر حكومي هذه الوعود مؤكداً أن العسكريين «لن يكونوا في الصف الأول أمام المتظاهرين يوم السبت. أعداؤنا ليسوا السترات الصفر بل الإرهابيون. لنكن واضحين: العسكريون لن يعتقلوا عناصر من السترات الصفر، ولن يهاجموا أو يطلقوا النار». سيقتصر دورهم على حماية المباني العامة أو القيام بدوريات «لتخفيف العبء عن الذين يخوضون المواجهات مع المتظاهرين في الصف الأمامي. سنمنع الاحتكاك المباشر بينهم وإن حصل فإن العسكريين يعرفون كيفية التعامل مع الأمر. سيؤمنون حماية أماكن وجودهم ويتصلون بالشرطة وبالسلطات المختصة».
جوفروا كلافيل «هافينغتون بوست»
المزيد في هذا القسم:
- خطاب مقارعة إسرائيل في العالم العربي: من عبد الناصر إلى نصر الله ! المرصاد نت - متابعات مرَّ خطابُ مقارعة إسرائيل في العالم العربي في أطوار عديدة منذ وعد بلفور. تغيّر الخطاب عبر العقود وإن بقي بعض السمات ثابتاً على ألسنة البع...
- الأمن يهتز مجدداً في تركيا على وقع الإداء السياسي للحكم المرصاد نت - متابعات لم تعد تركيا كما كانت قبل عام او عامين على الاكثر. هذا ما يؤكده المراقبون والمتابعون وتعززه الوقائع والتقارير. والتغير الذي تشهده البل...
- السيد نصر الله: أميركا تعمل على تعميق مأزق لبنان الاقتصادي! المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أنّ المباحثات ما زالت جارية في لبنان "لنخرج بأفضل حلّ لبلادنا" متحدثاً عن أنّ الحكومة الأم...
- لبنان : أيهما يلي ذراع الآخر .. الشارع أم الطبقة الحاكمة؟ المرصاد نت - متابعات هل هي لحظة عابرة ان تصدف الذكرى الثلاثين لاقرار النواب اللبنانيين اتفاق الطائف (22 تشرين الاول 1989) في السعودية، في يوم مطالبة الشعب الل...
- فيتو أوباما سقط بطريقة مخجلة في مجلسي الشيوخ والنواب.. والحليف السعودي تحول الى “عدو” المرصاد نت - راي اليوم لم يفاجئنا التصويت الكاسح في مجلسي الشيوخ والنواب الذي أطاح بـ”فيتو” الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد تشريع يتيح لأقارب ضحايا...
- موراليس يصل إلى المكسيك: بوليفيا تدخل دوّامة الفوضى! المرصاد نت - متابعات اعتباراً من يوم أمس بات الرئيس البوليفي المُقال إيفو موراليس يعيش في منفاه في المكسيك، حيث مُنح حقّ اللجوء السياسي. وبدا المنفى وكأنه آخر...
- تونس : الفخفاخ سيؤلف حكومة مصغّرة تُحقق أهداف الثورة! المرصاد نت - متابعات قال رئيس الوزراء التونسي المكلف إلياس الفخفاخ إنّه سيؤلف «حكومة مصغرة بهدف التركيز على تحقيق أهداف الثورة وإرساء دولة عادلة وقوية تُنهي ع...
- الأسد للفياض: تعزيز العلاقات بين سوريا والعراق يساعد في القضاء على بؤر الإرهاب! المرصاد نت - متابعات أكد الرئيس بشار الأسد ومستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض على ضرورة تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات بما يخدم م...
- الشمال السوري بين اتفاقات سوتشي والمراوغة التركية! المرصاد نت - متابعات يبدو أن الشمال السوري يتخذ منحىً جديداً بعيداً عن العمليات العسكرية واسعة النطاق لاسيما في مناطق شرقي الفرات وريفي حلب الشمالي والغربي إض...
- تونس : تأجيل إعلان الحكومة.. سعيّد يعطّل خطة النهضة! المرصاد نت - متابعات كان متوقعاً أن يعلن رئيس الحكومة المكلّف، أمس، عن فريق عمله الحكومي لكن ذلك لم يحصل. بعد لقائه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، أدلى الجملي بتص...