المرصاد نت - متابعات
لكأنما يدور التاريخ بالعرب القهقرى ليرميهم خارج العصر وخارج أحلامهم وتمنياتهم وإنجازاتهم المنقوصة في القرن العشرين: قبائل وعشائر ببطون وأفخاذ وعداوات وثارات منسية.
سقطت "دول الاستقلال" التي كان بعضها ـ في المشرق العربي ـ عروشاً لأبناء الشريف حسين مطلق نداء الثورة من أجل الوحدة وقد ترجم فيه الاستعمار البريطاني تصوره "للشرق الأوسط" بعد الحرب العالمية الأولى أما بعضها الآخر فصيرت دولاً غير مكتملة النمو نتيجة التقسيم الذي أملاه النفوذ الأجنبي (البريطاني والفرنسي… ومن ثم الأميركي) مستبقياً ضمناً "مساحة" للكيان الإسرائيلي الذي سيقام (مستقبلاً) على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها ومعه الأمة العربية جميعاً.
كانت كل من هذه "الدول" تنظر الى الأخرى وكأنها قد اغتصبت بعض أرضها (سوريا ولبنان، سوريا والأردن، العراق وإيران) في حين مزقت شبه الجزيرة العربية ليقام في العتبات المقدسة عرش آل سعود وتتناثر واحات الصحارى دولاً لا ذكر لها في التاريخ لكن النفط والغاز أو الموقع الاستراتيجي والتقاسم بين الأقوى جعلها دولاً: الكويت، الإمارات، قطر، فضلاً عن البحرين القاعدة البحرية لبريطانيا ثم للأميركيين.
أما مصر التي شكلت مع قيادة جمال عبد الناصر مصدر الأمل والاقتراب من تحقيق حلم الوحدة فقد تصدت بعد سنتين من العدوان الثلاثي (1956) لتحقيق الحلم العربي الدائم بإعلان الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا، وهي لم تعمر أكثر من ثلاث سنوات إنهارت بعدها بانفصال سوريا… ثم جاءت ثورة اليمن 26 أيلول 1962 بالحرب على الجيش المصري فيها، مما مهد لهزيمة 5 حزيران 1967.
بعدها تم خلق المناخ الضروري للتصادم بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني، مما أدى الى نتائج دراماتيكية تزامنت مع رحيل عبد الناصر في أيلول 1970: أُخرجت قوات الثورة الفلسطينية من الأردن لتستقر في لبنان بتكوينه الطائفي الهش مما أدى الى تفجيره بحرب أهلية امتدت سنوات طويلة… خصوصاً وقد زامنها اجتياح اسرائيلي لبعض الجنوب (1978) سرعان ما تمدد مع تردي الوضع العربي وانهيار التضامن ليصل شارون الى العاصمة بيروت ويتم بإشرافه انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية في ظل قوات الاحتلال الإسرائيلي.. وهو الذي كان قد زار الكيان الاسرائيلي مرات تمهياً لأن يحظى بمباركته.
… ولقد جاء التدخل الدولي لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان مقابل جلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي في صفقة ساوت بين الاحتلال وبين المطرود بالقوة من أرضه.. ليعقد تفاهماً مع اسرائيل سرعان ما أسقط لتعود الأمور سيرتها الأولى.. وقد استعادت سوريا موقع التأثير في القرار اللبناني.
كل ذلك صار من التاريخ الآن.. لكن نتائجه ما تزال ظاهرة حيث انكشف الضعف العربي سياسياً وعسكرياً أمام القوة الاسرائيلية المعززة بالتأييد الدولي مما مهد لاتفاق أوسلو الذي سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية ـ بعدما تم تجريدها من السلاح ومن القضية المقدسة ممثلة بالتحرير ـ بأن تدخل كحكومة بلا دولة ولا جيش ولا مال الى أرضها المحتلة ـ لتكون شرطة إضافية تعمل تحت إشراف الاحتلال الاسرائيلي.
بعد قيام الثورة الاسلامية في إيران (1979) تم إغراء صدام حسين في العراق بشن حرب على "جمهورية الخميني" استنزفت البلدين، وبالذات إيران التي استولدتها الثورة حديثاً، مما زين لصدام حسين أن يستعيد “قضاء” الكويت الى محافظة البصرة في العراق، فكانت حربه الثانية التي اجتمع عليه فيها بعض العرب ودول التحالف الغربي بالقيادة الأميركية في العام 1991… ثم كان الاجتياح الأميركي في العام 2003 الذي أدى الى اسقاط النظام في بغداد مع مشروع فتنة حاول الأميركييون إشعالها بتسليم صدام حسين الى شيعة العراق كي يتولوا اعدامه في فورة غريزية كادت تدمر ما تبقى من العراق..
ذلك من الماضي وفيه.. لنعد الى أحوال العرب الآن:
فأما المغرب فبعيد جداً عن المشرق كما لم يكن في أي وقت: العرش في الرباط يحاول أن يقف على مسافة واحدة من "إخوانه" جميعاً. لا هو يرغب في أن يتدخل في شؤونهم ولا هو يريد أو يقبل أن يتدخلوا في شؤونه.. ومؤخراً أدار وجهه غرباً، خصوصاً بعدما "اختلف" مع السعودية وربما لهذا استثنى الأمير محمد بن سلمان من جولته التي كان بين محطاتها القاهرة وتونس ثم موريتانيا والجزائر في طريق العودة.
أما الجزائر التي تعيش قلقاً سياسياً وأزمة اقتصادية تتسبب في بطالة متصاعدة فان بين ما يقلق شعبها أن رئيسها الأبدي عبد العزيز بوتفليقة يسعى الى ولاية خامسة بينما ترتفع ـ هذه المرة ـ أصوات الاعتراض على "الرئاسة المفتوحة" في البلاد الغنية بثرواتها بينما الجزائريون يطلبون "الفيزا" للخروج ألوفاً مؤلفة..
ولقد انطفأت صرخة البوعزيزي في تونس بعد انتفاضة مجيدة انتهت بإعادة الاعتبار الى الحبيب بورقيبة، خوفاً من “الاسلاميين”.. وها هي الآن تعيش سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية تعيد فتح أبوابها أمام الساحل الأوروبي بعنوان فرنسا.
أما ليبيا فقد ذهبت دولتها مع صاحب النظرية العالمية الثالثة، الذي افترض ان بلاده بثروتها من النفط والغاز، مع أفكاره التي كانت تطمح الى تغيير الكون.. وها هي ليبيا الآن يتقاسمها جيش مستولد برعاية خارجية، ومجموعة من الميليشيات المسلحة تتبع جهات خارجية مختلفة بينها دولة الإمارات وقطر..
يبقى لبنان الذي كان كلما اختلت التوازنات عربياً دفع من استقراره السياسي والاقتصادي الثمن باهظاً..
ومع غرق سوريا في دمائها عبر الحرب فيها وعليها وانشغالها بذاتها عادت "الدول" بالقيادة الأميركية تحاول توسيع مساحة نفوذها في هذه الشرفة الممتازة التي تطل وتتفاعل مع أقطار المشرق العربي جميعاً من سوريا الى العراق فإلى الخليج والسعودية مع علاقة “حب عتيق” مع مصر وسائر أقطار المغرب.
ومفهوم أن يكون العدو الاسرائيلي هاجس المقاومة الاسلامية في لبنان التي هزمته مرة أولى، بإجباره على الجلاء عن الأرض التي كان يحتلها في جنوبه ثم مرة ثانية في الحرب التي شنها على لبنان في صيف العام 2006 وانتهت بهزيمة نكراء لـ”جيشه الذي لا يقهر”.
وحيث تعجز إسرائيل فان الولايات المتحدة الأميركية جاهزة لتوقيع العقاب والحظر على مناصري “حزب الله” حيثما وجدوا، لا سيما في المغتربات، أساساً في افريقيا ثم في بعض دول أميركا اللاتينية… ومن هنا فان السفارة الأميركية في بيروت لم تعد تتورع عن إظهار عدم رضاها عن مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة مع انه شارك في الحكومات جميعاً منذ أكثر من عشر سنوات.
لكأنما قد بات على العرب مشرقاً ومغرباً أن يستسلموا للهيمنة الأجنبية سواء أكانوا أغنياء بثرواتهم الطبيعية (النفط والغاز) كما في السعودية وأقطار الخليج من دون أن ننسى العراق أو فقراء لا يملكون إلا أرضهم وعقولهم وعرق الجباه..
ولا شك أن غياب مصر عن دورها الريادي الذي لا بديل له.
ثم تغييب سوريا في الحرب فيها وعليها المفتوحة منذ سبع سنوات والتي كادت أن تدمر العمران فيها،
ثم انشغال العراق بالخراب العميم الذي خلفته حقبة حكم صدام حسين ثم الاحتلال الأميركي لأرض الرافدين قد وسع مجال الحركة أمام الإمارات الخليجية التي تملك المال لكنها تفتقر الى الكفاءة القيادية..
كل ذلك قد وسع المجال أمام الفوضى والضياع عن الطريق الى الغد العربي المرتجى وساعد على تعاظم صورة العدو الاسرائيلي نتيجة اندفاع عدد من الأنظمة العربية الى الصلح معه..
وفي انتظار عودة العرب الى أنفسهم وصحوتهم وتنبههم الى قدراتهم وحقهم في بناء غدهم الأفضل سيكون مقدراً عليهم أن يعيشوا حياة غير التي كانوا يحلمون بها والتي تستحقها شعوبهم التي اثبتت جدارتها وحقها في الحياة الكريمة كلما اتيح لها أن تعبر عن تمسكها بحقوقها كأمة جديرة بأن تكون في المستقبل.
كتب : طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني2017م .
المزيد في هذا القسم:
- من هو آية الله الشيخ عيسى قاسم؟ المرصاد نت - متابعات يعد آية الله الشيخ "عيسى أحمد قاسم" أكبر مرجعية دينية لاتباع اهل البيت "عليهم السلام" في البحرين ويحظى بتأييد واسع بين البحرينيين وغير...
- أهداف أمريكا من فرض عقوبات جديدة على روسيا المرصاد نت - متابعات بعد وصول "دونالد ترامب" إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض ظنّ الكثيرون بأن علاقات واشنطن وموسكو ستتخذ منحىً آخر يختلف عمّا كان في عهد الرئي...
- معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: البحرين إلى الهاوية المالية! المرصاد نت - متابعات نشر الباحث الأمريكي المعروف سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن يوم أمس تقريراً سلط فيه الضوء على التحديات الا...
- السياحة الدينية في الأردن: نعم لإسرائيل... لا لغيرها المرصاد نت - متابعات في بلد يعاني أزمات اقتصادية خانقة ولا يزال يعتاش على فُتات المساعدات الدولية والوعود الخليجية بالقروض والمنح يصرّ النظام الرسمي ومعه التي...
- تحركات أميركية للسيطرة على الحدود العراقية ـــ السورية المرصاد نت - نور أيوب تُكثّف الولايات المتحدة تحركاتها العسكرية عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن في سعي مُتجدِّد من قِبَلها للإمساك بالطرقات الدول...
- الاحتلال الإسرائيلي يمنع أي تواصل مع الأسرى المضربين المرصاد نت - متابعات أكدت زوجة القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي المحامية فدوى البرغوثي الثلاثاء ان الاحتلال الإسرائيلي منع المؤسسات الدولية مثل الصليب الأحم...
- خطة إسرائيلية ــ أميركية لإضعاف حزب الله المرصاد نت - الأخبار كشفت مواقف رسمية وإعلامية عبرية أنّ مواجهة حزب الله ستحتل إلى جانب عناوين أخرى حيزاً أساسياً في جدول أعمال لقاء الرئيس الأميركي دونالد تر...
- لقاء مرتقب بين بوتين وأوباما على هامش قمة "أبيك" في بيرو المرصاد نت - متابعات أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يلتقي نظيره الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط...
- "صفقة القرن" على موائد المسلمين والفلسطينيين بعد شهر رمضان المبارك المرصاد نت - متابعات بعد أيام من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة والاعتراف بالمدينة عاصمة للكيان الإسرائيلي بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإ...
- رئيس الحكومة التونسية يعلن أسماء وزراء حكومته! المرصاد نت - متابعات أعلن اليوم الخميس رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، في مؤتمرٍ صحفي، عن تركيبة الحكومة التي انتهى إلى تشكيلها بعد مخاضٍ عسير ومفاوضات مار...