المرصاد نت - محمد علوش
لم يكشف إردوغان الحقيقية التي يعرفها كاملة خلال خطابه أمس الثلاثاء لكنّه افتتح حلقة جديداً أكثر درامية من الحلقات السابقة في المسلسل التركي المرتبط بجريمة اغتيال جمال خاشقجي. بعبارة واحدة، نسف إردوغان الرواية السعودية الرسمية بكاملها، فخاشقجي لم يُقتل خطأ بل "نمتلك أدلة قوية تثبت مقتل خاشقجي بشكل وحشي وتثبت أن القتل كان متعمّداً ومعدّاً له".
وإذ مدح الملك سلمان بالمصداقية فإنه – أي إردوغان - دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق محايدة ومستقلة "ولا يشتبه في أي صلة لها بالجريمة". فليس من المقبول إلقاء المسؤولية على دبلوماسيين ورجال مخابرات وأمن. بل لا بدّ من محاسبة "الجناة من أسفل السلم لأعلاه".
ماذا يعني هذا؟ هل إردوغان ماض في كشف خيوط الجريمة لأسباب أخلاقية دون اعتبار لتداعيات ذلك على العلاقات التركية السعودية؟
قبل الإجابة على السؤال دعونا نؤكد أن الأتراك أداروا – حتى اللحظة - ملف جريمة إسطنبول بحرفية عالية تنمّ عن هدوء أعصاب، وتركيز عالي المستوى. وقد تمكنوا من نقل القضية من الإطار الجنائي إلى أفق إنساني عبر المساهمة في خلال خلق رأي عام دولي يصرّ على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
باستراتيجيتهم هذه، تمكن الأتراك من الخروج من دائرة أزمة دبلوماسية محتملة بين البلدين، كانت ستفوز فيها الرياض حتماً لما تملكه من إمكانيات مالية قادرة على النيل من أردوغان ومن إدارته للحكم في بلاده.
كما من اللّباقة الإنسانية ألا نشكك في البعد الأخلاقي لاندفاع الأتراك في كشف ملابسات الجريمة طالما لم يثبت لنا إلى الآن ما يشير إلى انتفاء هذا البعد لديهم، تبعاً لما كشفته صحيفة نيويورك تايمز أن الأمير خالد الفيصل مستشار الملك سلمان عرض على أردوغان خلال لقائه به، إنهاء حصار قطر وحزمة مساعدات مالية واستثمارات داخل تركيا مقابل طيّ ملف خاشقجي إلاّ أن الرئيس التركي "رفض العرض بطريقة غاضبة وقال إنها رشوة سياسية".
ويبقى في السياسة تفسير آخر لاندفاع الأتراك في كشف ملابسات القضية، ولا سيما بعد تلميح إردوغان إلى تورط جهات دولية أخرى في القضية.. نستذكر هنا أن الطائرتين اللّتين استعملتا في العملية، إحداها غادرت إلى القاهرة والثانية إلى دبي قبل أن تعود للرياض.
يقدّر الأتراك أن مستقبلاً قاتماً سيطبع العلاقات التركية السعودية في عهد محمد بن سلمان. فالرياض قد تتحول إلى عدو لأنقرة إذا ما وصل محمد بن سلمان إلى عرش المملكة مع استمرار تأثير ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عليه. وإن التقارب السعودي المصري الإماراتي الإسرائيلي سيهدّد المصالح التركية في المنطقة.
لا ينسى إردوغان أن من أبرز المطالب أو شروط الاستسلام التي قُدمت لقطر من قبل بن زايد وبن سلمان مقابل فكّ الحصار عنها هو طرد القوات التركية وفسخ العقود العسكرية مع تركيا.
ويبدو إردوغان يأخذ بجدية التقارير التي أفادت بدور كبير للإمارات والسعوديين بالتلاعب بالليرة التركية حتى كادت جهودهما أن تقضي على ثمار نجاح اقتصادي أسّسه أردوغان وكسب شعبية جارفة بسببه منذ وصول حزبه للحكم عام 2002.
القناعة التركية – أقلّها عند قواعد الحزب الحاكم هي أن الإمارات ومصر والسعودية لعبت دوراً كبيراً في دعم الانقلاب العسكري والترويج له إعلامياً. كما في الدعم المالي الذي قدّمه السعوديون للمتمردين الأكراد في سوريا، حتى وصل الأمر بالوزير السعودي ثامر السبهان في تحدّ واضح للأتراك، بنشر صورة له إلى جانب ضابط أميركي في مناطق سيطرة الأكراد في الرّقة السورية العام الفائت.
يشعر الأتراك أن الفرصة اليوم مؤاتية لهم في تصفية الحسابات مع المحور المصري الإماراتي السعودي الذي أسقط الإخوان المسلمين في مصر وحاصر قطر وكاد يجتاحها عسكرياً لولا التدخل الأميركي لمنع حصوله. وهم ماضون على ما يبدو في تأديب محمد بن سلمان وإفهامه أن اللعب مع الكبار ليس شبيهاً باللعب مع الإخوان المسلمين في اليمن. وان إغضاب تركيا وتهديد مصالحها ليس أمراً قد يتسامح معه الأتراك أبداً.
إردوغان الذي أرعب الأوروبيين حين فتح حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي أمام للاجئين السوريين وغيرهم للتدفق نحو أوروبا كرسالة تأديب للسّاسة الأوروبيين يعرف تماما كيف يحول ظاهرة "الطاووس السّلمانيّ" في عواصم الغرب إلى كابوس يخجل من ذكر صداقته أي مسؤول غربي بعد هندسة الإعلام الغربي صورة جديدة لمحمد بن سلمان حاملاً منشاراً بيد ورأس جمال خاشقجي باليد الأخرى في لوحة كثيفة الرّمزية لصلة الوصل بين داعش وهذا الشاب القادم إلى الحكم بنهم شديد.
أمام هذه المعادلات، كان من الخفّة أن يتقدّم السعوديون بصفقة لطيّ ملف خاشقجي مقابل تخفيف الحصار عن قطر وضخ مليارات الدولارات في السوق التركي. فكيف لإردوغان أن يرضى بفخذ من البقرة إذا كان قادراً على نيلها بالكامل.
ما يريده إردوغان هو تفتيت المحور السعودي الإماراتي المصري أو إحداث شرخ كبير فيه من خلال تقليم أظافر بن سلمان عبر إقصائه عن الحكم أو إبعاده ما أمكن عن بن زايد والسيسي.
جردة الحساب التركية هذه لن تنتهي هنا. فحين يقترح إردوغان أن يُحاكم المتورطين في تركيا يعني أن ما يطالب به هو رأس محمد بن سلمان والمشروع الذي يقوده في المنطقة.
حتى اللحظة رقبة محمد بن سلمان في يد إردوغان. ولا ندري كيف سيتنصل منه بن سلمان الذي جاء بنفسه إلى المصيدة التي كانت تنتظره في وقت كان يظنّ نفسه اللاعب الوحيد القادر على الفوز!
وهكذا تستمر اللعبة..
المزيد في هذا القسم:
- القاهرة تطلب العون الأميركي في أزمة «النهضة»! المرصاد نت - متابعات انتهت خمسة أشهر من الرعاية الأميركية للمفاوضات الثلاثية بين الدول المعنية بأزمة «سدّ النهضة»، أي مصر وإثيوبيا والسودان إلى تعليق عملية ال...
- الولايات المتحدة بين الاختبارات النووية و الدعوة لنزع السلاح المرصاد نت - متابعات كشفت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام عن أحدث اختبارات القنبلة النووية الحرارية الأمريكية "بي61-12" التي جرت في 11 سبتمبر 2017 في ميدا...
- عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وحملة اعتقالات واسعة للمقدسين المرصاد نت - متابعات استأنف عشرات المستوطنين الإسرائيليين اقتحاماتهم للمسجد الأقصى صباح اليوم الإثنين بحراسة عناصر من شرطة الاحتلال الإسرائيلي. وقال فراس ا...
- ترامب وبن سلمان يمثلان نموذج "الطاغية الأنيق" الحريص على التجمل المرصاد نت - متابعات "لقد هندسنا انقلابا ووضعنا رجلنا على القمة هذه احدى العبارات التي تم تسريبها من كتاب "الغضب والنار" ومن نفس العبارة نستشف بأن الرئيس الأم...
- فلسطين : بعد إنجازات المقاومة... تفعيل التنسيق الأمني ! المرصاد نت - متابعات لم يكن مفاجئاً أن تلجأ إسرائيل والسلطة بعد سلسلة العمليات الناجحة للمقاومة في الضفة الغربية إلى تفعيل اتصالاتها لتعزيز التنسيق الأمني بهد...
- اعتقال صاحب سوبر ماركت بالرياض دعا لمقاطعة المنتجات الفرنسية المرصاد-متابعات تواردت أنباء عن اعتقال صاحب أحد محال السوبر ماركت بالعاصمة السعودية الرياض على خلفية بلاغ ضده بأنه وضع ملصقا على مدخل الماركت يدعو إلى ...
- تركيا: تصعيد في العلن وطلب مساعدةٍ في السر! المرصاد نت - متابعات بعبارات دينية ووطنية، صعّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان اليوم هجومه على من يعتبر أنهم السبب في انهيار عملة تركيا واصفاً أزمة الليرة بأن...
- وتوقف قلب ' السفير '.. وداع حزين لجريدة السفير اللبنانية! المرصاد نت - متابعات اصدرت مؤسسة السفير اللبنانية اليوم السبت آخر طبعة ورقية من صحيفتها “السفير” معلنة التوقف عن الصدور بخبر توشح بالسود صفحتها ال...
- أمريكا والصين يقرعان طبول الحرب في منطقة المحيط الهادئ المرصاد نت - متابعات فيما تعمل القوى الكبرى على تبريد أجواء منطقة الشرق الأوسط والخروج بحلول توافقية للنزاعات القائمة هناك تتجه منطقة المحيط الهادئ الى الت...
- قمة بوتين - أردوغان: أنابيب الغاز والساحات المشتركة! المرصاد نت - متابعات على وقع الردّ الإيراني على اغتيال قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فجر أمس بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية في محافظ...