المرصاد نت - متابعات
مع العمليات البطولية للجيش المصري في سيناء منذ بدء العام 2018 وحتي اليوم تعيش مصر مرحلة سياسية شديدة التعقيد مُتصارِعة الأحداث وهي من شدّتها تؤثّر مباشرة على مكوّنات الأمن القومي المصري وعلى دور مصر الإقليمي والدولي، والمراقب لهذه المرحلة منذ إزاحة حُكم الإخوان المسلمين في 30/6/2013، والذي أثبت فشلاً صريحاً في إدارة الثورة والدولة، يلحظ أن مهدّدات الأمن القومي المصري ازدادت تنوّعاً ووضوحاً بعد تمكّن الجيش وقسم كبير من الشعب المصري من إسقاط حُكم هذه الجماعة المحسوبة زيفاً على الإسلام وإنهاء مخطط واشنطن الذي بدأ في مصر وتونس لتوظيف الثورات العربية لمصلحة إنشاء شرق أوسط جديد بقشرة إسلامية يخدم إسرائيل ويصبّ في مصلحة التحالف الغربي.
إن إنهاء هذا المخطّط ساعد على بروز تهديدات عدّة تؤثّر سلباً على الأمن القومي المصري ومن ثم العربي، وتأتي أحداث سيناء وتنامي جماعات العُنف الديني واستمرار عمليات الإرهاب المُمنهَج ضد جنود وضباط الجيش والشرطة والمقاومة المُسلّحة في مواجهته ليمثل أبرز تلك المُهدّدات.
وفي هذه السطور نذهب إلى سيناء: الجغرافيا والسياسة وخريطة العنف لنبحث في أبعاد القضية ومآلاتها.
سيناء والأمن القومي المصري
في زحمة الأحداث وفي أجواء الصراعات الإقليمية والدولية، نسيَ بعض بني وطني أخطر بوابة لأمن مصر القومي وانشغلوا بالتافه من الأمور، إنها بوابة سيناء (61 ألف كم2 من مساحة مصر)، ونسوا جميعاً حقيقة تنقلها لنا يومياً الصحافة الإسرائيلية:
- هي أن العدو الصهيوني يريد اغتيال سيناء، سواء بشكلٍ مباشرٍ عبر خططه التخريبية المُتمثّلة في اختراق تنظيمات الغلوّ الديني أو عبر زرع الفتنة الكبرى بين الفلسطينيين فى قطاع غزّة وبين مصر تحت مُسمّى توطين الفلسطينيين في سيناء لإنشاء دولة غزّة الكبرى.
- أو من خلال زرع شبكات وأجهزة التجّسس عن بُعد عبر بناء جدار أمني إلكتروني على امتداد ما يقترب من 250 كم هو طول الحدود بين إسرائيل وسيناء وقيل أن بناءه قد اكتمل.
- أو بطرقٍ غير مباشرة عبر الاغتيال المُنظّم لهيبة الدولة والجيش المصري عبر جماعات وتيارات الغلوّ والتشدّد الديني التي ثبت وثائقياً اختراق الموساد لها، إن هذا الاغتيال يحتاج إلى مواجهة وهو ما يتم الآن عسكرياً ومن المأمول أن يكتمل عبر تنمية وتعمير سيناء، ولكن وفق خطط تعمير مقاومة تفترض أن إسرائيل لاتزال عدواً وأنها تفكّر جدّياً في إعادة احتلال سيناء ثانية وليس فحسب خطط زراعية أو صناعية أو سياحية محدودة الدور والأهمية كما كان في العهود السابقة.
- ونحسب أن الدولة المصرية بعد خمس سنوات من مواجهة الإرهاب بدأت تنتبه إلى هذا.
إن سيناء التي لا نعرفها بعد هي فضلاً عن كونها موقعاً استراتيجياً للأمن القومي المصري وهي عمق اقتصادي للوطن بما يحتويه من ثروات طبيعية مهمة. هي أيضاً، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون مزار ديني وسياحي من الدرجة الأولى حيث توجد فيها مزارات سياحية مثل "قلعة صلاح الدين – طريق حورس – طريق الحجّ المسيحى – طريق جبل النقب – دير سانت كاترين – الشجرة المُقدّسة – عيون موسى – حمّامات فرعون، وهي وفقاً لقول اللواء فؤاد حسين (الذي خدم فيها عبر جهاز المخابرات الحربية) في حوار مهم له مع جريدة الأسبوع المصرية بتاريخ 1/10/2012، "تتعرّض لمؤامرةٍ من إسرائيل ومن أطرافٍ أخرى، فالإسرائيليون سرقوا التاريخ من سيناء، ونقلوا إلى إسرائيل أعمدة معبد "سرابيط الخادم" الموجود في منطقة "أبو زنيمة" وهو من أهم المعابد الفرعونية وهو يخلّد "حتحور" حيث كان فرعون مصر لا يتسلّم صولجان الحُكم إلا بعد تقديم فروض الطاعة في هذا المعبد.
لقد حدثت على أرض سيناء 13 معجزة إلهية، أهم أربع معجزات فيها حدثت في جبل الطور الذى تم ذكره في القرآن الكريم 13 مرة، ومع ذلك هو غير موجود على أية خريطة مساحية أو سياحية مصرية.
البُعد التاريخى للمُخطّطات الإسرائيلية في سيناء
في الوقت الذي شُغلت فيه مصر نخبة وجماهير بصراعات داخلية سياسية واجتماعية، بعضها مهم والغالب لا قيمة له، في هذا الوقت تتحرّك إسرائيل العدو التقليدي لهذا الوطن ناحية سيناء محاولة احتلالها مجدّداً وإن بوسائل أكثر تطوّراً من احتلال الجيوش وخاصة من خلال توظيف الجماعات المُسلّحة في عملياتها لإشغال واستنزاف الجيش المصري الذي مثَّل تاريخياً عمود الخيمة في الأمن القومي وفي بنيان الدولة المصرية الحديثة.
إن الأطماع الصهيونية التي تتجدَّد في الكتابات الإسرائيلية هذه الأيام عن سيناء، سواء بالاحتلال المباشر أو عبر صفقة قرن يروِّجون لها باسم استيطان فلسطيني في سيناء أو غيرها من الأوهام التي منبعها إسرائيلي وليس فلسطينياً أو مصرياً، إنه ببساطة حُلم قديم، يُراود الصهاينة منذ المؤسّس "هرتزل"، وبين أيدينا إحدى الوثائق القديمة والخطيرة في آنٍ واحدٍ، والتي أرسلها هرتزل إلى وزير المُستعمرات البريطانية تشمبرلين في (12/7/1902) والتي يُضمّنها مشروعه الاستعماري، والاختيارات المفتوحة أمام هذا المشروع يأتي في مُقدّمها خيار التوطين في سيناء، أو العراق ويُبيِّن ولأول مرة وعلى عكس ما هو رائج لدى بعض المؤرِّخين وكثيرٍ من الإسلاميين أن السلطان العثماني قد عرض عليه توطين اليهود الصهاينة في العراق وليس في فلسطين أو سيناء ولكنه – أي هرتزل – كان يُفضِّل سيناء.
دعونا نقول ختاماً إن إعادة سيناء إلى الوطن من أيدي خاطفيها من الإرهابيين تحتاج إلى استراتيجية تعمير مبنية على ثقافة المقاومة، وهي استراتيجية تستلزم إلغاء أو على الأقل تعديل اتفاقات (كامب ديفيد 1978– معاهدة السلام 1979– بروتوكول القوات متعدِّدة الجنسيات 1980)، وهذا التعديل أو الإلغاء يجوز وفقاً لاتفاقية السلام ذاتها (المادة الرابعة) ووفقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية (المادتان 52 و53 من اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية لعام 1969 - والمادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادتان 64-71 من قانون المعاهدات)، فضلاً عن واقع يقول أن ثمة ثورة قد حدثت في مصر فيحقّ لها وفقاً لمفهوم الثورات في القانون الدولي تغيير كافة المعاهدات والمواثيق التي تضرّ بالأمن القومي للبلاد التي وقعت فيها، وتلك الاتفاقات تؤثّر حتماً على حركة الجيش وتوقف استراتيجية التعمير الحقيقية وتحول دون السيادة الكاملة على الأرض في سيناء، ومن ثم وجب إلغاؤها أو على الأقل تعديل بنودها بما يسمح بانتشار الجيش وسيادة الدولة على كل سيناء.
إن سيناء مع استمرار عمليات الجيش في 2018 ضد الجماعات المُسلّحة لا تزال تتهدَّدها ثلاثة مخاطر كبرى:
- المخاطر الإسرائيلية.
- مخاطر غياب التنمية المُستقلّة والتعمير الإقتصادي الجاد.
- مخاطر الفِتَن التى تبذرها قوى التطرّف الديني، وهذه التحديات في تقديرنا هي جوهر الأزمة الأمنية والسياسية في سيناء وبمواجهتها تنجو ليس سيناء فحسب بل تنجو مصر وأمنها القومي.
كتب : رفعت سيد أحمد - كاتب ومفكر قومى من مصر. رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة. دكتوراه فى فلسفة العلوم السياسية من جامعة القاهرة – 1987.
المزيد في هذا القسم:
- عن الشيخ عيسى القاسم ومظلوميّة الشعب البحريني المرصاد نت - متابعات يروي أحد المقاومين في حزب الله أنه في العام 2008 كان في رحلة سفر إلى إيران. وصودِف أنه خلال زيارة مرقد الإمام علي الرضا الإمام الثامن لدى...
- الشرق الأوسط 2017: أفق غير واضح المعالم المرصاد نت - متابعات في تقييم للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى منتصف عام 2017 يرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن جزءاً كبيراً من ا...
- واشنطن : احتدام المواجهة بين الديموقراطيين وترامب! المرصاد نت - متابعات تتجه الأمور إلى المزيد من التصعيد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والديموقراطيين في مجلس النواب إثر سعي هؤلاء إلى المضي قدماً في إجراءات ...
- طهران: الصبر الاستراتيجي انتهى والحرب القصيرة معنا وهم ! المرصاد نت - متابعات لا تتوقف التصريحات المضادة بين طهران وواشنطن متقاطعة عند رفض الحرب ولو زخرت باستعراض القوة والتهديدات الباحثة عن تثبيت «الردع» خشية مواجه...
- الجيش الجزائري يدعو لانتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن! المرصاد نت - متابعات أكد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح اليوم الثلاثاء ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية "في أسرع وقت ممكن" باعتباره أولوية مست...
- مسودة أميركية جديدة لتسوية إقليمية شاملة.. وهذه بنودها المرصاد نت - متابعات بعد أشهر من زيارات طاقم ترامب لتل أبيب برئاسة مبعوثه إلى الشرق الأوسط جايسون غرينبلات ومستشاره جاريد كوشنر كشفت القناة الثانية الإسرائيلي...
- بيروت : لقاءً تضامنياً مع الشعب اليمني في الذكرى الثالثة للعدوان المرصاد نت - متابعات في الذكرى السنوية الثالثة للعدوان الأمريكي الصهيوني السعودي على اليمن عقد التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة لقاء تضامنيا مع الشع...
- على ظهر الدبابة.. لماذا يخلق “بن زايد” جيشاً استعمارياً؟ المرصاد نت - متابعات كان يوم الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2015 استثنائياً وغير معتاد بالنسبة لدولة لا تتوقف عن الاحتفالات تقريبا كالإمارات حيث أُضيئت ...
- في سياق التطبيع العلني :أبواب الخليج مُشرّعة للإسرائيليين! المرصاد نت - بيروت حمود بات من الواضح أنه لولا الاندفاع والحماسة اللذان تبديهما دول الخليج لتظهير التطبيع مع تل أبيب لما تجرأ الإسرائيليون على تخيّل أنهم قد ي...
- النظام السعودي ومعاداة الحلفاء العرب: من المحيط إلى الخليج! المرصاد نت - متابعات لم تشهد السعودية عبر تاريخها تطرّفاً في العلاقة مع محيطها العربي كما هي عليه الآن ويمكننا أن نلاحظ بوضوح الحالة الغريبة التي وصلت إليها ا...