المرصاد نت - متابعات
منذ ان تعلمت القراءة والكتابة وانا اسمع عن اتفاقية سايكس بيكو وانها قامت بتقسيم العالم العربي وتمزيقه وانها مؤامرة علينا لاضعافنا والنيل منا وسرقة مقدرات الامة العربية وغيرها من التهم
ولكن ان حاولنا العودة الى التاريخ وقراءته من الخارج نرى ان المنطقة لم تحكمها القومية العربية قط بل كانت خاضعة للحكم الديني الاسلامي اي الخلافة الاسلامية منذ الدولة الاموية ونهاية العثمانية.
وما فعله الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس هو رسم الخريطة لدول جديدة تخرج من هذه المنطقة التي كانت في مرحلة رسم الافكار القومية لديها والتي لم تكن ناضجة بعد، وخصوصا في منطقة بلاد الشام التي لم تكن مستقلة بحكمها منذ اكثر من 1300 عام في ذلك الوقت اي ان هذه المنطقة لم تحكمها اي قومية والحاكم وقتها هو الاسلام بلسان عربي فقط الذي حكم المناطق التي تعرف الان بالعالم العربي فاللسان كان عربيا ولكن الاعراق كانت كردية واشورية وكنعانية وفرعونية ونوبية وامازيغية، ولكن القاسم المشتركة بينهم هو دين الاغلبية الاسلام ومن ثم اللسان عربي الناطق في الاماكن العامة والمخاطبات الرسمية.
اما فكرة الهلال الخصيب في بلاد الشام والحكم على اساسها هي فكرة غير قابلة للتحقيق في ذلك الوقت حتى هذا الاسم "الهلال الخصيب" ليس ملك المنطقة ةمن اطلقه عليها هو عالم الآثار الاميركي جيمس هنري برستد واطلقه على حوض نهري دجلة والفرات والجزء الساحلي من بلاد الشام. وهذه المنطقة شهدت حضارات عالمية وأهمها العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي حتى ابتداء الممالك والمدن في جنوب الرافدين وشمال جزيرة الفرات العراقية وغرب الشام. اي ان هذه المناطق لم تشهد الدولة الحديثة بعد ان تعددت فيها الافكار القومية.
سايكس وبيكو ارادوا تقسيم المنطقة لدول يسهل عليهم السيطرة عليها من الخارج دون ان تسبب لهم المتاعب ودون الاضرار بشكلها من الداخل، مثل الذي يقسم قطعة كبيرة من الكيك بطريقة جميلة وجذابة ولكن في النهاية سيقوم باكلها، وقبل اكثر من مئة عام بدء العالم العربي يتلمس الفكر القومي دون ان يجد هوية مناسبة له واصطدم هذا المسعى بالفكر الديني اضافة الى فكر قومي اخر ينبذ القومية العربية الى جانب الشمولية الدينية لان الاثنين يرتبطان ببعضهما بحسب هذا الفكر والذي يمكننا ان نراه بكتب ومقالات طه حسين والذي اصطدم بالقومي العربي ساطع الحصري اضافة الى ان هناك افكار كانت تقول ان هذه المنطقة يجب ان تحكم على اساس الاقاليم وليس القومية العربية ومن ابرز شخصيات هذا التيار هو سعد زغلول.
اذا سايكس وبيكو وجدوا منطقة غير قادرة على ايجاد بديل حقيقي للرجل المريض اي الدولة العثمانية لذلك قاموا بتقسيمها على الشكل الذي يفضلونه. واكبر دليل على ان هذه المنطقة لا تستطيع ان تقرر مصيرها هو مرور اكثر من مئة عام على هذه الاتفاقية ولم تتوحد الاقطار التي قسمتها.
اما في الوقت الحالي فيصعب جدا تقسيم الدول ربما تستطيع دولة ما ان تفرض نفوذها على دولة اخرى ولكن لا تستطيع تقسيمها وحتى القوميات ليس بمقدورها ان توجد كيانا جديدا خاصا بها واكبر دليل على ذلك فشل الاستفتاء في العراق وفي اسبانيا ايضا اي ان الدول التي يوجد فيها اكثر من عرق لا تستطيع القوميات داخلها بالانفصال بداية بالاكراد في سوريا والعراق وتركيا وايران مرورا بالامازيغ في شمال افريقيا، ووصولا الى الباسك واقليم كاتالونيا في اسبانيا.
التواجد العسكري ووضع اليد على مساحة جغرافية لدولة اخرى بات الان اكثر كلفة سواء مادية او معنوية للدولة المحتلة، وهو ما عجل بخروج الولايات المتحدة من العراق وتصريحات رئيسها دونالد ترامب الاخيرة حول نيته الخروج قريبا جدا من سوريا، اضافة الى النوايا التركي بالخروج من الاراضي السورية. ولكن المهم الان هو اصلاح الفكر القومي بطريقة جديدة تعتمد على اساليب اخرى غير تلك التي كانت تتحدث عن الاندماج الكلي والذوبان لان الشعوب بدأت تخلق لنفسها هيكلية وافكار جديدة تختلف كليا عن الدولة التي بجوارها..
فمثلا السوري يختلف عن اللبناني رغم التقارب بكل شيء حتى على الصعيد العائلي وكذلك الاردني عن الفلسطيني والعراقي عن الكويتي والمصري عن السوداني ولكن ما يجمعهم هو اللسان والدين عند الاغلبية لذلك الفكر القومي الجديد يجب ان يعتمد على نظريات جديدة تساعد على نهوض المجتمع بعد قرابة العقد من الحروب التي خلقت ازمات فعلية بين الدول العربية بعد تقاطر الارهابيين من شتى الدول ليفجروا انفسهم هنا وهناك، وعلينا ايضا ان نفهم ان سايكس بيكو لم تكن مؤامرة لتقسيمنا لاننا في وقتها لم نعي بعد الفكر القومي الحقيقي والحكم على هذا الاساس وكان تقسيم سيكس بيكو هو نتاج طبيعي للوضع السائد في تلك المرحلة.
كتب : ابراهيم شير
المزيد في هذا القسم:
- ألمانيا تلغي التوقيع على صفقة الغواصات مع إسرائيل المرصاد نت - متابعات في أعقاب التطورات الدراماتيكية في التحقيقات المتصلة بصفقة الغواصات والسفن الحربية بين إسرائيل وألمانيا قرّرت الأخيرة إرجاء التوقيع على ات...
- «السلام» السعودي في 2018: من «مبادرة عبدالله» إلى شروط ترامب المرصاد نت - متابعات على وقع اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ورميه على طاولة «السلام» قفزت السعودية من مشروع التطبيع الذي...
- الاحتلال يحول مدينة الخليل الى سجن كبير! المرصاد نت - متابعات فرضت قوات الاحتلال الاسرائيلي حصارا شاملا على مدينة الخليل في الضفة الغربية وأقامت حواجز على مداخل البلدات المحيطة بالمدينة بهدف القاء...
- السيد نصر الله: أمريكا أوجدت داعش بهدف البقاء في العراق وسوريا المرصاد نت - متابعات أكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنّ كل المؤشرات تؤكد وقوف إسرائيل وراء تفجير صيدا الأخير جنوب لبنان والذي أدى إلى إصابة أح...
- الحريري ينهي الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة اللبنانية المرصاد نت - متابعات أنهى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري السبت الاستشارات النيابية التي أجراها تمهيدا لاختيار الوزراء الجدد وتوزيع الحقائب ...
- للاسبوع الرابع على التوالي سلطات البحرين تمنع اقامة الصلاة المرصاد نت - متابعات منع النظام البحريني أكبر صلاة جمعة في جامع الامام الصادق (سلام الله عليه) في منطقة الدراز، وذلك للاسبوع الرابع على التوالي. واضطر المص...
- البحرية الإسرائيلية: حزب الله يستطيع فرض حصار بحري كامل علينا المرصاد نت - متابعات أكد رئيس أركان سلاح البحرية الإسرائيلي العميد درور فريدمان أن حزب الله يستطيع فرض حصار بحري كامل على كيان الاحتلال. و تحدث فريدمان في ...
- قصف صاروخي على المنطقة الخضراء وسط بغداد! المرصاد نت - متابعات أعلنت السلطات الأمنية العراقية أنّ صاروخين أطلقا باتجاه المنطقة الخضراء الحصينة بالعاصمة العراقية بغداد ليل الإثنين. بيان سلطات الأمن الع...
- السعودية تواصل قطع النفط عن مصر والقاهرة تبحث عن بديل المرصاد نت - متابعات للشهر الثاني على التوالي واصلت شركة "أرامكو" النفطية السعودية قطع امداداتها البترولية عن مصر في ظل الأخبار التي تتحدث عن توتر العلاقات بي...
- «منازلة» جمهورية ــ ديموقراطية : ترامب يريد «خطاب حال الاتحاد» في وقته المرصاد نت - متابعات أبلغت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الرئيس دونالد ترامب بأنه لن يُسمح له بإلقاء خطاب حال الاتحاد السنوي داخل مقر المجلس إلى أن ...